قال لا إله إلا الله معصوم الدم والمال، لأن هذا هو معنى لا إله إلا الله؛ فلم ينفعه القول بدون الإتيان بالمعنى الذي دل عليه من ترك الشرك والبراءة منه وممن فعله. فإذا أنكر عبادة كل ما يعبد من دون الله، وتبرأ منه، وعادى مَن فعل ذلك، صار مسلما معصوم الدم والمال؛ وهذا معنى قول الله -تعالى-: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ١.
وقد قيدت لا إله إلا الله في الأحاديث الصحيحة بقيود ثقال، لا بد من الإتيان بجميعها، قولا، واعتقادا، وعملا. فمن ذلك حديث عتبان الذي في الصحيح: "فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" ٢، وفي حديث آخر: "صادقا من قلبه -خالصا من قلبه - مستيقنا بها قلبه -غير شاك" ٣. فلا تنفع هذه الكلمة قائلها إلا بهذه القيود إذا اجتمعت له، مع العلم بمعناها ومضمونها، كما قال -تعالى-: ﴿وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ٤.
وقال -تعالى- لنبيه ﷺ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ ٥، فمعناها يقبل الزيادة لقوة العلم، وصلاح العمل. فلا بد من العلم بحقيقة معنى هذه الكلمة علما ينافي الجهل، بخلاف من يقولها وهو لا يعرف معناها. ولا بد من اليقين المنافي للشك فيما دلت عليه من التوحيد. ولا بد من الإخلاص المنافي للشرك؛ فإن كثيرا من الناس يقولها وهو يشرك في العبادة، وينكر معناها، ويعادي من اعتقده وعمل به، ولا بد من الصدق المنافي للكذب، بخلاف حال المنافق الذي يقولها من غير صدق، كما قال -تعالى-: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ ٦.
ولا بد من القبول المنافي للرد، بخلاف من يقولها ولا يعمل بها. ولا بد من المحبة لما دلت عليه من التوحيد والإخلاص وغير ذلك، والفرح بذلك المنافي
_________
١ سورة البقرة آية: ٢٥٦.
٢ البخاري: الصلاة (٤٢٥)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٣٣) .
٣ مسلم: الإيمان (٣١) .
٤ سورة الزخرف آية: ٨٦.
٥ سورة محمد آية: ١٩.
٦ سورة الفتح آية: ١١.
1 / 28