واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد كله آحاده وعشراته ومئاته وألوفه أو ما زاد بالغا ما بلغ؛ فأصلها من الواحد إلى الأربعة، وهي هذه «1 2 3 4»، وذلك أن سائر الأعداد كلها من هذه يتركب ومنها ينشأ وهي أصل فيها كلها.
بيان ذلك أنه إذا أضيف واحد إلى أربعة كانت خمسة، وإن أضيف اثنان إلى أربعة كانت ستة، وإن أضيف ثلاثة إلى أربعة كانت سبعة، وإن أضيف واحد وثلاثة إلى أربعة كانت ثمانية، وإن أضيف اثنان وثلاثة إلى أربعة كانت تسعة، وإن أضيف واحد واثنان وثلاثة إلى أربعة كانت عشرة. وعلى هذا المثل حكم سائر الأعداد من العشرات والمئات والألوف وما زاد بالغا ما بلغ.
وكذلك أصول الخط أربعة، وسائر الحروف منها يتركب، والكلام من الحروف يتركب - كما بينا فيما بعد - فاعتبرها، فإنك تجد ما قلنا حقا صحيحا، ومن يريد أن يعرف كيف اخترع الباري - جل ثناؤه - الأشياء في العقل وكيف أوجدها في النفس وكيف صورها في الهيولى فليعتبر ما ذكرنا في هذا الفصل.
واعلم يا أخي أن الباري - جل ثناؤه - أول شيء اخترعه وأبدعه من نور وحدانيته جوهر بسيط يقال له: العقل الفعال كما أنشأ الاثنين من الواحد بالتكرار، ثم أنشأ النفس الكلية الفلكية من نور العقل، كما أنشأ الثلاثة بزيادة الواحد على الاثنين، ثم أنشأ الهيولى الأولى من حركة النفس كما أنشأ الأربعة بزيادة الواحد على الثلاثة، ثم أنشأ سائر الخلائق من الهيولى ورتبها بتوسط العقل والنفس كما أنشأ سائر العدد من الأربعة بإضافة ما قبلها إليها - كما مثلنا قبل.
واعلم يا أخي، أيدك الله بروح منه، بأنك إذا تأملت ما ذكرنا من تركيب العدد من الواحد الذي قبل الاثنين ونشوئه منه؛ وجدته من أدل الدليل على وحدانية الباري - جل ثناؤه - وكيفية اختراعه الأشياء وإبداعه لها؛ وذلك أن الواحد الذي قبل الاثنين وإن كان منه يتصور وجود العدد وتركيبة - كما بينا قبل - فهو لم يتغير عما كان عليه ولم يتجزأ.
كذلك الله - عز وجل - وإن كان هو الذي اخترع الأشياء من نور وحدانيته وأبدعها وأنشأها وبه قوامها وبقاؤها وتمامها وكمالها فهو لم يتغير عما كان عليه من الوحدانية قبل اختراعه وإبداعه لها - كما بينا في رسالة المبادئ العقلية - فقد أنبأناك بما ذكرنا من أن نسبة الباري - جل ثناؤه - من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، وكما أن الواحد أصل العدد ومنشأه وأوله وآخره؛ كذلك الله - عز وجل - هو علة الأشياء وخالقها وأولها وآخرها.
وكما أن الواحد لا جزء له ولا مثل له في العدد، فكذلك الله - جل ثناؤه - لا مثل له في خلقه ولا شبه، وكما أن الواحد محيط بالعدد كله، ويعده كذلك الله - جل جلاله - عالم بالأشياء وماهياتها تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
واعلم يا أخي بأن مراتب العدد عند أكثر الأمم على أربع مراتب كما تقدم ذكرها، وأما عند الفيثاغوريين فعلى ستة عشر مرتبة، وهذه صورتها:
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد الكسور مراتبه كثيرة؛ لأنه ما من عدد صحيح إلا وله جزء أو جزآن أو عدة أجزاء كالاثني عشر، فإن له نصفا وثلثا وربعا وسدسا ونصف سدس، وكذلك الثمانية وعشرون وغيرهما من الأعداد، إلا أن العدد الكسور وإن كثرت مراتبه وأجزاؤه فهي مرتبة بعضها تحت بعض، ويشملها كلها عشرة ألفاظ، لفظة منها عامة مبهمة وتسعة مخصوصة مفهومة ومن التسعة الألفاظ لفظة موضوعة، وهي النصف.
وثمانية مشتقة وهي: الثلث من الثلاثة والربع من الأربعة والخمس من الخمسة والسدس من الستة والسبع من السبعة والثمن من الثمانية والتسع من التسعة والعشر من العشرة، وأما اللفظة العامة المبهمة فهي الجزء؛ لأن الواحد من أحد عشر يقال له: جزء من أحد عشر وكذلك من ثلاثة عشر ومن سبعة عشر وما شاكل ذلك.
صفحة غير معروفة