نصل إلى ممر آخر، منزل آخر، غير مطلي أيضا، بدا تحت أشعة الشمس فضي اللون. «خلت أننا خرجنا من منطقة عملك.» «وهو كذلك بالفعل.» «إذن لم جئنا إلى هنا؟» «سترين.»
تقف أمام المنزل امرأة قصيرة القامة وقوية البنية تلتقط الملابس المغسولة، والتي كانت منثورة فوق الحشائش لتبييضها وتجفيفها. عندما توقفت السيارة حدقت فيها بنظرة حادة للحظة، ثم انحنت لتلتقط منشفتين أخريين لتضعهما فوق الكومة الموجودة تحت إبطها، ثم تتجه نحونا وتقول بصوت فاتر، لا هو بمرحب ولا هو بجاف: «هل ضللتم الطريق؟»
يترجل أبي من السيارة بأريحية ويقول: «لا أظن ذلك، أنا مندوب ووكر براذرز.»
تقول المرأة: «إن جورج كولي هو مندوب ووكر براذرز الذي يأتينا، وكان هنا منذ أقل من أسبوع مضى. آه، يا إلهي!» تقول بصوت غليظ: «إنه أنت؟!»
يقول أبي: «أجل، هو كذلك في آخر مرة نظرت فيها في المرآة.» تجمع السيدة جميع المناشف أمامها وتمسك بها جيدا، وتضمها إلى بطنها كما لو أنها تؤلمها. «من بين كافة الأشخاص الذين لم أتوقع رؤيتهم قط، وها أنت تخبرني أنك مندوب ووكر براذرز.»
يقول أبي في تواضع: «آسف إن كنت تتطلعين إلى رؤية جورج كولي.» «يا لمظهري! كنت أستعد لتنظيف حظيرة الدجاج، ستعتقد أن هذه ذريعة، لكنها الحقيقة. لا أتجول بهذا المظهر كل يوم.» كانت ترتدي قبعة مزارعين من القش، تتخلل من ثقوب فيها أشعة الشمس لتطفو على وجهها، وترتدي ثوبا فضفاضا منقوشا ومتسخا، وحذاء رياضيا. وتسألني: «من معك في السيارة، بن؟ ليسا طفليك؟»
فيرد أبي: «إنهما طفلاي بالفعل»، ثم يخبرها باسمينا وعمرينا. «هيا، بإمكانكما الترجل من السيارة، هذه نورا؛ الآنسة كرونين. نورا، عليك أن تخبريني، هل ما زلت آنسة، أم لديك زوج مختبئ في السقيفة الخشبية؟»
تخبره: «إذا كان لدي زوج فلن يكون هذا هو المكان الذي سأضعه فيه.» يضحك الاثنان، كانت ضحكتها حادة وغاضبة بعض الشيء. «ستظنون أنني فظة، هذا إلى جانب مظهري الذي يبدو كالمتسولين. تعالوا إلى الداخل بعيدا عن الشمس، الجو لطيف في المنزل.»
نعبر الفناء. («معذرة لأنني آخذكم من هذا الطريق لكنني لا أعتقد أن الباب الأمامي فتح منذ جنازة أبي، أخشى أن تسقط المفصلات.») نعبر سلم الرواق، ثم إلى المطبخ، الذي كان الجو فيه لطيفا حقا، كان بسقف مرتفع، والستائر المعتمة مسدولة بالطبع، حجرة بسيطة ونظيفة ورثة، مشمع الأرض متآكل، زهور الغرنوقي موضوعة في أصيص، ودلو به مياه للشرب، ومغرفة، وطاولة مستديرة مغطاة بمفرش نظيف. ورغم نظافة الحجرة، والأسطح الممسوحة والمكنوسة، ثمة رائحة كريهة ضعيفة، لعلها منشفة الصحون أو المغرفة الصفيح أو المشمع، أو السيدة العجوز؛ إذ كانت هناك سيدة عجوز تجلس على مقعد وثير تحت رف الساعة. تدير رأسها ببطء تجاهنا وتقول: «نورا، هل معك رفقة؟»
تقول نورا بصوت مفسر سريع لأبي: «إنها ضريرة»، ثم تقول: «احزري من هنا يا أمي، اسمعي صوته.»
صفحة غير معروفة