قالت ماي محاولة بدء حديث: «ابنة عم يوني باركر آتية اليوم. اسمها هيذر سو موراي.»
لم تعر الجدة حفيدتها أي انتباه، ثم سرعان ما سألتها: «أتعلمين كم عمري؟»
ردت ماي: «لا.» «حسنا، خمني.»
فكرت ماي ثم قالت: «سبعون؟»
تأخرت الجدة في الرد كثيرا إلى حد أن ماي اعتقدت أن هذا الحديث لم يكن سوى واحد آخر من أزقة حديثها المسدودة. قالت، على سبيل الإحاطة: «هيذر هذه كانت تمارس الرقص الاسكتلندي منذ أن كانت في الثالثة. إنها ترقص في المسابقات وما إلى ذلك.»
قالت جدتها: «ثمانية وسبعون. لا أحد يعلم بهذا، فأنا لم أخبر أحدا قط، وليس لي شهادة ميلاد، ولم أحصل قط على معاش حكومي، أو إعانة.» فكرت قليلا ثم استطردت: «لم أرقد قط في المستشفى. ادخرت ما يكفي في البنك لتغطية مصاريف الجنازة والدفن. أما شاهد القبر فينبغي أن يأتي حسنة من مؤسسة خيرية أو عن طريق ما سيشعر به أقاربي من وخز للضمير.»
قالت ماي مكتئبة وهي تنتف القماش المشمع من بقعة بالية فيه: «وما حاجتك إلى الشاهد؟» كرهت هذا الحديث؛ كان يذكرها بخدعة لئيمة نوعا ما كانت جدتها قد مثلتها عليها منذ ثلاث سنوات. حينها كانت عائدة للتو إلى المنزل من المدرسة، فوجدت جدتها مستلقية على نفس أريكة الحجرة الخلفية التي صارت ماي تنام عليها فيما بعد. كانت الجدة راقدة ويداها ساقطتان إلى جانبيها، ووجهها بلون الحليب المتخثر، وعيناها مغلقتان؛ وعلى وجهها فتور البراءة والمسالمة. فحاولت ماي إيقاظها وقالت أولا: «مرحبا»، ثم نادتها بنبرة صوتها المعتادة: «جدتي.» لم تكن جدتها تحرك أي عضلة في وجهها الذي عادة ما يكون متوهجا وعصبيا. قالت ماي ثانية، بمزيد من التوقير: «جدتي» ومالت عليها فلم تسمع أدنى صوت لأنفاسها. فمدت يدها لتلامس خد جدتها، لكن صدمها أمر غير مطمئن لم تتوقعه في هذا التجويف البارد المتهدل. ثم راحت تبكي، بالطريقة الجزعة المتقطعة لمن يبكي دون أن يسمعه أحد. كانت تخاف أن تذكر اسم جدتها ثانية، خائفة أن تلمسها، وفي الوقت نفسه خائفة أن تشيح بعينيها عنها. لكن جدتها فتحت عينيها. من دون أن ترفع ذراعيها أو تحرك رأسها، نظرت إلى ماي ببراءة مفرطة زائفة وبريق ظافر مستفهم، قائلة: «ألا يمكن للمرء أن يستلقي قليلا هنا؟ من العار أن تكوني طفولية هكذا.»
ردت الجدة على سؤال ماي عن شاهد القبر: «لم أقل قط إنني «أريد» شاهدا.» ثم قالت في برود، بعد أن رأت ماي مخرجة إحدى كتفيها من الرقبة الواسعة للباس نومها: «الآن اذهبي وارتدي بعض ثيابك، إلا إذا كنت تظنين نفسك إحدى ملكات مصر.»
قالت ماي: «ماذا؟» وهي تنظر إلى كتفها الموسومة ببقعة مزعجة من أثر حرق شمس تقشر. «أوه، أرى أنهم أحضروا إحدى ملكات مصر لمهرجان مدينة كينكايد.»
حينما عادت ماي إلى المطبخ كانت جدتها ما تزال تحتسي القهوة وتنظر إلى قسم «مطلوب» من الإعلانات المبوبة في جريدة المدينة، وكأنها لا تملك متجرا ينبغي أن يفتح أو طعام إفطار ينبغي أن يعد أو أي شيء ينبغي عمله على الإطلاق. كانت هيزل قد استيقظت وبدأت تكوي فستانا لتذهب به إلى العمل. كانت تعمل في متجر في مدينة كينكايد التي تبعد ثلاثين ميلا، وكان عليها أن تغادر إلى العمل في ساعة مبكرة. حاولت أن تقنع والدتها بأن تبيع المتجر وتنتقل للعيش في كينكايد التي تحوي دارين لعرض الأفلام السينمائية، والكثير من المحال والمطاعم وفرعا من فروع «رويال دانس بافيليون»، لكن المرأة العجوز لم تكن لتتزحزح. وأخبرت هيزل أن تذهب لتعيش حيثما طاب لها ذلك، لكن هيزل لم تفعل لسبب ما. كانت فتاة طويلة واهنة في الثالثة والثلاثين من عمرها، ذات شعر أشقر، ووجه متحفظ طويل، يرتسم عليه دائما تعبير ساخط يبرزه حول خفيف، شرود متعمد في إحدى العينين. كان لديها صندوق مليء بأغطية وسائد مطرزة وفوط وأوان فضية. واشترت طقما من الأطباق وطقما من القدور ذات القعور النحاسية وأودعتهما ذلك الصندوق؛ وظلت هي والمرأة العجوز وماي يأكلن في أطباق متكسرة الحواف ويطبخن في قدور من كثرة ما تخبطت كانت تتأرجح فوق الموقد.
صفحة غير معروفة