يقول أبي: «سآتي إن استطعت.» «أحضر طفليك، أحضر زوجتك.»
يقول أبي: «أجل، سأحضرهم إن استطعت.»
عندما رافقتنا إلى السيارة، قال أبي: «عليك أن تحضري لزيارتنا أيضا يا نورا، نحن نعيش في جروف ستريت، تسيرين على الجانب الأيسر شمالا، منزلنا من تلك الجهة - شرقا - من بايكر ستريت.»
لم تكرر نورا تلك الاتجاهات. تقف بالقرب من السيارة بثوبها الباهر الرقيق. تلمس رفرف السيارة تاركة علامة غامضة على الغبار هناك. •••
في طريق عودتنا إلى المنزل لم يبتع أبي الآيس كريم أو المياه الغازية، لكنه دخل إلى متجر ريفي واشترى عبوة عرقسوس، وتقاسمها معنا. يدور بخلدي عبارة «إنها متمسكة بالجاروف القديم»، وتبدو الكلمات حزينة كما لم تكن من قبل، غامضة وضالة. لم يخبرني أبي بأي شيء حيال عدم ذكر أي مما حدث في المنزل، لكنني أعلم - من شروده في التفكير، وصمته وهو يمرر لنا العرقسوس - أن ثمة أشياء لا يجب ذكرها؛ الويسكي، وربما الرقص. ليس هناك داع للقلق من أخي، فهو لم يلحظ الكثير، على أكثر تقدير ربما يذكر السيدة العجوز وصورة السيدة مريم.
يقول أخي في أمر لأبي: «أنشد أغنية»، لكن أبي يقول في جدية: «لا أدري، يبدو أنني استنفدت جميع الأغاني توا. لتراقب لنا الطريق وأخبرني إن رأيت أي أرانب.»
يقود أبي السيارة ويراقب أخي الطريق بحثا عن أرانب، أشعر أن حياة أبي تنساب خلف السيارة مع نهاية الظهيرة، تزداد قتامة وغرابة، وكأنها منظر طبيعي به سحر، يجعله عاديا ومألوفا على نحو موات عندما تنظر إليه، لكنه يحوله ما إن تدير إليه ظهرك إلى شيء لن تعرفه أبدا، في أجواء وأماكن بعيدة ليس بوسعك تخيلها.
عندما اقتربنا من تابر تاون أضحت السماء ملبدة بالغيوم على نحو طفيف، كما هي الحال دوما، دوما تقريبا، في أمسيات الصيف بجانب البحيرة.
منازل مضيئة
جلست ماري على السلم الخلفي لمنزل السيدة فولرتن، تتحدث - أو تستمع في واقع الأمر - مع السيدة فولرتن، التي تبيع لها البيض. كانت قد مرت بها كي تعطيها ثمن البيض وهي في طريقها إلى حفل عيد ميلاد ديبي ابنة إديث. لم تكن السيدة فولرتن تزورهم أو تدعوهم، لكن ما إن تنشأ حجة عمل، حتى تحب أن تتحدث. وجدت ماري نفسها تستكشف حياة جارتها كما استكشفت من قبل حيوات الجدات والخالات، بادعائها أنها تعرف أقل مما تعرفه في الواقع، وطلبها منهن حكاية بعض القصص التي سمعتها من قبل؛ وبهذه الطريقة، تتذكر أحداثا تظهر في كل مرة مع اختلافات طفيفة في المحتوى أو المغزى أو الصبغة، لكن بواقع خالص عادة ما تصاحبه أشياء أسطورية جزئيا على الأقل. كانت قد نسيت تقريبا أن ثمة أناسا يمكن رؤية حياتهم هكذا؛ فهي لم تعد تتحدث مع كثير من كبار السن، ومعظم الأشخاص الذين عرفتهم لا تختلف حياتهم عن حياتها؛ حياتها التي لم تصنف فيها الأشياء بعد، ولم يعد من المؤكد أن هذا الشيء أم ذاك يجب أخذه على محمل الجد أم لا. لم يساور السيدة فولرتن أية شكوك أو تساؤلات من هذا النوع. على سبيل المثال، كيف كان من الممكن عدم التعامل جديا مع الغياب الطائش تماما للسيد فولرتن، الذي اختفى في يوم من أيام الصيف، ولم يعد مجددا؟
صفحة غير معروفة