إنه مسرح تتحدث رغباته الدفينة الضاربة عن نساء موعودات ... حيث لا فكاك ولا مهرب من ثقل القدر أو الوعد وتجبره في مجتمع جبري كمجتمعاتنا العربية.
ومن هنا وبالمقابل يتوحد الدهر أو القدر أو الوعد بمواجع - المبلى - أو المبتلى، أو المصاب بأمراض - سحرية لا علمية - مثلما يعرف ب «السودة»، أو لعلها السوداوية - عند بعض النساء الشبقات.
ولعل هذا المسرح الحريمي السحري هو ما دفعني - فيما بعد - إلى كتابة مسرحية المستخبي - شوقي عبد الحكيم - التي بدأت كتابتها فعلا في السجن ، وقدمت على مسرح الجيب المصري 63 مع شفيقة ومتولي، عن زوجة جمال يقهرها إلى حد النفي التام، حتى إذا ما حانت لحظة غدر جمله به عبر فضاء الحقول والأجران تجهز هي عليه متوحد بالجمل المنتقم الغادر، وتقودها جدلية فعلتها إلى حد إعادة السيطرة والتملك لابنها ووحيدها الذي تنتهي باغتياله، وفي حين تبدو أمام المجتمع والعالم الخارجي امرأة ثاكلة تعود فتنهش نفسها في وحدتها وأحلامها إلى مناطق اللانهاية.
ذلك على الرغم من توصلي - في ذات الفترة - إلى جمع كم لا بأس به من استكشات ومواضيع هذا المسرح من أشعار العديد والنواح والبكائيات التي تعد من أشق أنواع الفنون والآداب الشعبية بالنسبة لجامعي الفولكلور - انظر البكائيات الجنائزية - دراسة ونماذج، فمنشدات هذا النوع الأدبي البكائي من الندابات يتوحدن في الوجدان الشعبي الجمعي بالشؤم؛ لذا كن على الدوام عرضة لمطاردة الحكومات الريفية المحلية ورجال الدين، وكثيرا ما تعرض بعضهن للضرب والطرد من مساكنهن، وتحطيم دفوفهن وطاراتهن العنيفة الإيقاع.
ولعل هذا ما صاحب أيضا مطاردة واضطهاد الفائسات على بقايا طقوس تلك المسارح الجريمية من ممثلات وفنانات.
موال العشق الخصيب الأخضر
ولعل أول ما يميز مواويل وأغاني استكمال الدورة الثانية للحياة وشقها المتصل بالحب والتغني بالجنس والزواج وإنجاب الأطفال والإخصاب بعامة؛ هو إغراقها اللامحدود المتمثل في الموال الأخضر في الاحتفاء بالحياة وجانبها الحياتي - البيولوجي - المعاش.
ومن هنا يمكن الإشارة إلى الثنائية - بين الموالين الأحمر والأخضر - التي هي ملمح جوهري - مثله مثل الدهرية والسلفية والغيبية - لتراثنا العربي، والتي كما ذكرنا من المرجع أنها مؤثر - حضاري آري فارسي أو مجوسي.
فإذا كانت التوجهات والشكوى الجنائزية تصل إلى أقصى مداها من أمثلة مأثورية، وأنماط أصلية للموال الأحمر، وما يدور في مجانه ورقعته، فإن نقيضه الأخضر يصل بالتالي إلى أقصى مداه احتفاء بالحياة وشعائر تجميعها سواء بالزواج أو الإخصاب وإنجاب الأطفال.
ولكل مناسبة وظاهرة وحدث ونوع مواويله وأهازيجه وأغانيه، سواء أكان قائل المأثور من موال - أخضر - أو أغنية رجلا أم امرأة، شاب أم عجوز، وفي كل الحالات يرجح بالفعل كما يذكر الأثنوجرافي الفرنسي «فان جنب» تواجد إحدى حالات أو شعائر الانتقال الأقرب إلى أن تكون ليست جوهرية - كالموت والميلاد - بل هامشية من ذلك ما يصاحب أغاني وصلوات الشكر في الكنائس - كما يدخلها كراب - وطقوس انتقال الوليد من طور لما يعقبه مثل تخطيه العتبة، وحلق الشعر بدءا بشعر البطن والرأس والعانة والطهور.
صفحة غير معروفة