وعلى كلا المستويين الفكري العقائدي والواقعي الدنيوي المادي ذلك أن مثل هذه الخرافات الغيبية ما هي - في أحسن الافتراضات - سوى انسلاب للعالم الدنيوي أو الأرضي المفتقر - بالضرورة - إلى الوعي بنفسه، وإلى أن العالم يجب تغييره لا مجرد تفسيره من جديد، فالفكر الغيبي هو إسقاط وهمي للعالم الأرضي اتساقا مع ثقل مثل هذه الموروثات الروحية المدعمة بسلطة العادة والتوارث، وكذا التفسيرات المغلوطة لكلا التراث والتاريخ مجللة أو محماة بما أسماه أرثوتيلو - بالاهيزم، من روحانيات يضفيها الإنسان على كل شيء، وبخاصة طبقا الطبيعة الموحشة الغامضة من حوله.
وعلى هذا فالبالاد في أحسن حالاتها قصة «أنساب» أو عائلة أو قبيلة، مع الأخذ في الاعتبار أن العصب أو الجسد الفولكلوري العربي بعامة قبائلي.
بالإضافة طبقا إلى أنها - كما ذكرنا - قصة أو أغنية شعرية عادة ما كانت تؤدى بمصاحبة الموسيقى والرقص.
مسرح مندثر للنساء فقط
ظاهرة ملحوظة في تراثنا لم تلق الاهتمام الكافي، وهي ظاهرة المسارح الشعبية مجهولة المؤلف؛ أي: الكوميديا آرتي. ومنها ما يختص بالرجال والنساء التي اندثرت مثل «مسرح الفصول المضحكة النسائي».
وكان يعرف بمسرح النساء أو فصول حجرات النوم النسائي، الذي تضطلع بتقديم غرة ليلة دخلة العروس - فرقة - آخر الليل للعروس، وأهلها من النساء، حيث لا يسمح للرجل - الذكر - حضور مشاهده التي عادة ما تكون مسخرة نسائية، هذا العرس الاحتفالي يستخرج الدفين من المواجع والتابوات ضد الرجل وتسلطه، هذا العرس الاحتفالي تبدأ الرواية فيه بتوجع شخصيتها الرئيسية لجمهورها: آه يا ننوسي، يا مطلع حسي.
وكالعادة تبادرها الفرفورة أو الداية والبلانة: ما بالك يا ستي؟
وتروح تتحسس أعضاءها المباشرة التناسلية وسط حمى الضحكات النسائية ، وما أجاهد في تذكرة من خبايا هذا المسرح فرقة زنوبة وعيوشة اللتان اعتدنا استقدامهما أيضا من المدينة، ست أو سبع نساء يحترفن التمثيل والغناء والسخرية من الرجل وخصاله و«ذيله النجس» إلى حد المهانة، داخل ماعد أو مقاعد - حريمية - معزولة عزلة حجرات النوم، يحرم دخولها على جنس الرجل الذكر، ويصعب التعرف على خبايا ذلك المسرح النسائي، وبضعة عينات من رواياته أو عروضه التي كانت تستلزم - مثل صنوه الذكري الرجالي - التحكم في الضوء وخفوته، والقدرة على التنكر والتقمص، وتغيير الهيئة، والاستعانة بملابس رجالية، وعمم كبيرة - كاريكاتورية - ومسابح وعصيان وعكاز وجلود الأرنب لصنع الذقون تمثلا بالرجل.
وأذكر أن اسكتشات ذلك المسرح وعروضه لم تكن وقفا على النيل من الرجل بعدما تناثرت منه بضعة مواضيع نسائية عن الحمل ومتطلبات كل أشهره التسعة؛ من أكل أنواع محددة من الأطعمة، وكذا المضاجعة، وأساليب الوحم، وإثقال الزوج بالمطالب، والتوحم ليس فقط على أشياء تؤكل ولو كانت في غير أوانها أو موسمها، وإلا انعكس الحرمان منها سلبا على الوليد خاصة الذكر، بل يصل الوحم إلى حد مطالبة الزوج بالأملاس والصيغة؛ من ذهب لفضة لأحجار كريمة، تعيد صفاء المزاج - كالعقيق - الذي يفك الضيق، والسليماني، وحجر الدم في حالة الفصد، ودم العادة الشهرية.
إنه مسرح غاب عني الكثير منه ومن أسراره الطقسية الموائمة لانفتاحه الإباحي على أقصى مصراعيه، في مواجهة تحطيم كل تابوات الحياء المفتعل المتوارث منذ عصور موغلة في التخلف والهمجية بقيا - شعائر - تقديس الجنس عند العرب الساميين بعامة.
صفحة غير معروفة