... وما ذكره البزازي من الإجماع عن تحريم الرقص محمول على ما إذا اقترن بشيء من اللهو كالدف والشبابة ، ونحو ذلك ، أو بالتكسر والتمايل ، وأما مجرد الرقص فمختلف في حرمته ، مذهبنا ومذهب الجمهور أنه حرام لما تقدم من الأدلة ، فأنه داخل في اللهو والعبث واللعب غير مستثنى ، وعن بعض الشافعية أباحته بشرط أن لا يكون فيه تكسر وبشرط أن لا يعتاده ، واستدلوا عليه بحديث رقص الحبشة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ينظر إليهم ، وبقصة علي وجعفر وزيد ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد أنت أخونا ومولانا ، فحجل ، وقال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي ، وقال لعلي : أنت مني وأنا منك ، فحجل ، والحجل أن يرفع رجلا ، ويقفز على الأخرى ، فهو رقص بلا تكسر ، والجواب من وجوه : الأول أن المحرم مرجح / على 4 أالمبيح عند التعارض ، والثاني أن القول مرجح على الفعل عند التعارض أيضا ، الثالث أن رقص الحبشة لم يكن مجرد رقص بل كان لعبا بالدرق والحراب ، قال البخاري رحمه الله ، باب الحراب : والدرق يوم العيد ، ثم ذكر الحديث عن عائشة رضي الله عنها ، إلى أن قالت : وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب ، فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإما قال تشتهين تنظرين ، فقلت نعم ، فأقامني وراءه ، خدي على خده ، وهو يقول : دونكمم يا بني أرفدة ، حتى إذا مللت قال : حسبك ، قلت : نعم ، قال : فاذهبي ، انتهى .
فحينئذ هو من جنس ما استثني في الحديث ، فإنه من الاستعداد للحرب والجهاد ، وكالرمي ، والقوس ، وتأديب الفرس ، وإليه أشار الشيخ الإمام العلامة شرف الدين إسماعيل ابن المقري اليمني الشافعي في قصيدته في ذم الرقص بقوله :
قالوا رقصنا كما الأحبوش قد رقصوا ... بمسجد المصطفى قلنا بلا كذب
صفحة ٨