فإن كان الله تعالى - في الحقيقة - يجوز أن يكون مرئيا، وببعض الحواس مدركا، وكان ذلك عليه جائزا، فالقوم إنما سألوا أمرا ممكنا، وقد طمعوا في مطمع، فلم غضب هذا الغضب، واستعظم سؤالهم هذا الاستعظام، وضرب به هذا المثل، وجعله غاية في الجرأة وفي الاستخفاف بالربوبية.
فإن قالوا: لأن ذلك كان لا يجوز في الدنيا؛ فقدرة الله تعالى على ذلك في الدنيا كقدرته عليه في الآخرة.
فإن قالوا: ليس لذلك استعظم سؤالهم، ولكن لأنهم تقدموا بين يديه.
قلنا: لم صار هذا السؤال تقدما عليه واستخفافا به، والشيء الذي طلبوه هو مجوز في عقولهم، وقد أطمعهم فيه أن جوزوه عندهم، والقوم لم يسألوا ظلما ولا عبثا ولا محالا. ومن عادة المسئول التفضل، وأنه فاعل ذلك بهم يوما.
فإن قالوا: إنما صار ذلك الطلب كفرا وذنبا عظيما لأنه قد كان قال لهم: إني لا أتجلى لأحد في الدنيا.
صفحة ١١