ومما يسألون عنه أن يقال لهم: أخبرونا عن قول الله عز وجل جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله: { ما جعل الله من بحيرة ولا سآئبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } [المائدة: 103]، أفتقولون فيما فعلوه إن الله جعل ذلك، وقضى به وبفعله على من فعله من مشركي قريش، فقد صح لنا أن أول من فعل ذلك قصي بن كلاب؟ فإن قالوا: إن الله جعله وقضى به وأدخله فيه؛ فقد صدقوا قول قريش إن الله قضى بذلك وفعله بهم، وأكذبوا قول الله؛ لأن الله قد نفى ذلك عن نفسه، وأخبر أنه لم يقض به، وأكذبهم فيما قالوا به عليه من ذلك وفيه حين يقول: { ما جعل الله من بحيرة } [المائدة: 103]، والقدرية تقول: هو جعل الله وقضاؤه، ولولا أن الله قضى به ما فعلته قريش ولا أطاقته. أقول: الله أصدق عند من عرف الله، أم قول قريش القدرية؟ بل قول الله أصدق وقول من سواه باطل.
ومما يسألون عنه مما لا يستطيعون رده من كتاب الله قول الله سبحانه: { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } [آل عمران: 155]، فيقال لمن زعم أنه لا يقدر عبد على فعل إلا بعد قضاء الله به عليه، وإدخاله إياه فيه بالقضاء اللازم، أما يجد الله سبحانه يخبر أن توليهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من استزلال الشيطان، وأنه منهم ومنه، وأنتم تزعمون أنه من الله، وأنه قضى به عليهم وبالتولي، ما تقولون أقول الله أصدق أم قولكم؟ فإن زعموا أن قول الله أصدق؛ رجعوا عن قولهم وصاروا إلى العدل. وإن قالوا: إن قولهم أصدق؛ فقد كفروا بالله، وكذبوا على الله؛ لأن ربنا قد ذكر أن ذلك من عدو الله الشيطان، والقدرية تزعم أنه من الرحمن، وأن الشيطان منه بريء.
صفحة ٣٠٩