ولما راموا ذلك لم يكن بد من أن يفرقوا بين بعض الصفات وبعض إذ جعلوا التصور بما جعلوه ذاتيا فلا بد أن يفرقوا بين ما هو ذاتي عندهم وما ليس كذلك ولا بد أن يرتبوا ذكرها على ترتيب مخصوص إذ لا تذكر على كل ترتيب فكانت الصفات الذاتية مادة الحد الوضعي والترتيب الذي ذكروه هو صورته.
ولما كان ذلك مستلزما للتفريق بين المتماثلين أو المتقاربين كان ممتنعا أو عسرا إذ يفرقون بين صفة وصفة يجعل أحدهما ذاتية دون أخرى مع تساويهما أو تقاربهما ويفرقون بين ترتيب وترتيب بجعل أحدهما معرفا للحقيقة دون الآخر مع تساويهما أو تقاربهما وطلب الفرق بين المتماثلات طلب ما لا حقيقة له فهو ممتنع وإن كان بين المتقاربين كان عسرا فالمطلوب أما متعذرا وأما متعسرا فان كان متعذرا بطل بالكلية وإن كان متعسرا فهو بعد حصوله ليس فيه فائدة زائدة على ما كان يعرف قبل حصوله فصاروا بين أن يمتنع عليهم ما شرطوه أو ينالوه ولا يحصل به ما قصدوه وعلى التقديرين ليس ما وضعوه من الحد طريقا لتصور الحقائق في نفس من لا يتصورها بدون الحد وإن كان الحد قد يفيد من تنبيه المخاطب وتمييز المحدود ما قد تفيده الأسماء كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وما ذكروه من الفرق بين الحد وشرح الاسم فتلخيصه أن المحدود المميز عن غيره إذا تصورت حقيقته فقد يكون هو الموجود الخارجي وقد يكون هو المراد الذهني وقد يراد بالحد تمييز ما عناه المتكلم بالاسم وتفهيمه سواء كان ذلك المعنى الذي أراده بالاسم ثابتا في الخارج أو لم يكن وقد يراد به تمييز ما هو موجود في الخارج وهذا شأن كل من فسر كلام متكلم أو شرحه فقد يفسر مراد المتكلم ومقصودة سواء كان مطابقا للخارج أو لم يكن وقد يتبين مع ذلك أنه مطابق
1 / 29