الفصل الأول
حقيقة مذهب النيتشرية والنيتشريين وبيان حالهم
بسم الله الرحمن الرحيم
(فبشر عبادي الذين يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) (¬1) .
الدين قوام الأمم وبه فلاحها، وفيه سعادتها وعليه مدارها.
«النيتشرية» جرثومة الفساد، وأرومة الإداد (¬2) وخراب البلاد، وبها هلاك العباد. شاع لفظ «النيتشرية» حتى طبق البلاد الهندية في هذه الأيام، وأصبحت هذه الكلمة دائرة في المحافل، سيارة في المجامع، وللعامة والخاصة فيها مذاهب وهم، وطرائق وهم (¬3) ، فالغالب منهم يخبط على بعد من حقيقتها، في غفلة عن أصل وضعها.
لهذا رأيت من الحق أن أشرح مفهومها، وأكشف المراد منها، وأرفع الستار عن حال النيتشريين من بداية أمرهم، وأعرض للناظرين شيئا من مفاسدهم، وما الحقوا بالنوع الإنساني من المضار التي خبث أثرها، وساء ذكرها، مستندا في ذلك على التاريخ الصحيح، آخذا من البرهان العقلي بدليل يثبت أن هذه الطائفة على اختلاف مظاهرها، لم يفش رأيها في أمة من الأمم إلا كان سببا في اضمحلالها وانقراضها.
أثبت ثقات المؤرخين: أن حكماء اليونان انقسموا في القرن الرابع والثالث قبل المسيح إلى فئتين:
ذهبت إحداهما إلى وجود ذات مجردة عن المادة والمدة (¬4) ، مخالفة للمحسوسات في لوازمها، منزهة من لواحق الجسمانية وعوارضها، وأثبتت أن سلسلة الموجودات مادية ومجردة، تنتهي إلى موجود مجرد واحد من جميع الوجوه، مبرأ الذات عن التأليف والتركيب، ومحال عند العقل تصور التركيب فيه، وجوده عين حقيقته، وحقيقته عين وجوده، وهو المصدر الأول، والموجد الحقيقي، والمبدع لجميع الكائنات، مجردة كانت أو مادية.
صفحة ٥