وما نزل بالمسلمين شيء من هذه المذلات والإهانات، ولا رزئوا بالتخريب في بلادهم، والفناء في أرواحهم، إلا بعد ما كلت بصائرهم ونغلت نياتهم، ومازج الدغل قلوبهم، وخربت أماناتهم، وفشا الغش والإدهان (¬1) بينهم، ودار كل منهم حول نفسه لا يعرف أمة، ولا ينظر إلى ملة، وأصبحوا بقناة خوارة، بعد أن كانت قناتهم لا تلين لغامز، إلا أن بقية من تلك الأخلاق المحمدية، كانت لم تزل راسخة في نفوس كثير منهم، كامنة في طي ضمائرهم، فهي التي أنهضتهم من كبوتهم، وحملتهم على الجد في كشف السطوة الغريبة عن بلادهم، فأجلوا الأمم الأفرنجية بعد مئين من السنين، وخلصوا البلاد السورية من أيديهم، وطوقوا الجنكيزيين بطوق الإسلام، وألبسوهم تيجان شرفه، ولكنهم لم يستطيعوا حسم داء الضعف، وإعادة ما كان لهم من الشوكة إلى المقام الأول، فإن ما كان من شوكة وقوة إنما هو أثر العقائد الحقة، والصفات المحمودة، فلما خالط الفساد هذه وتلك تعسر عود السهم إلى النزعة.
ولهذا ذهب المؤرخون إلى أن بداية الانحطاط في سلطة المسلمين كانت من حرب الصليب، والأليق أن يقال: إن ابتداء ضعف المسلمين كان من يوم ظهور الآراء الباطلة والعقائد النيتشرية «الدهرية» في صورة الدين، وسريان هذه السموم القاتلة في نفوس أهل الدين الإسلامي .
وليس بخاف أن فئة ظهرت في الأيام الأخيرة ببعض البلاد الشرقية، وأراقت دماء غزيرة، وفتكت بأرواح عزيزة، تحت اسم لايبعد عن أسماء من تقدمها لمثل مشربها، وانما التقطت شيئا من نفايات ما ترك دهريو «الموت» وطبيعيو «كردكوه» وتعليمها نموذج تعليم أولئك الباطنيين، فعلينا أن ننظر ما يكون من آثار بدعها في الأمة التي ظهرت بها.
صفحة ٤