فإذا سقط الساقط من المغرورين في حبالة مرشدهم الكامل، فأول ما يلقنه المرشد قوله: إن الأعمال الشرعية الظاهرة، كالصلاة والصيام ونحوهما، إنما فرضت على المحجوبين دون الوصول إلى الحق، والحق هو المرشد الكامل، فحيث إنك وصلت إلى الحق، فإياك أن تلقي عن عاتقك ثقل الأعمال البدنية، فإذا مضى عليه زمن في عهدهم، صرحوا له، بأن جميع الأعمال الباطنة والظاهرة، وكذلك سائر الحدود والاعتقادات، إنما ألزمت فرائضها بالناقصين، المصابين بأمراض من ضعف النفوس ونقص العقول، أما وقد صرت كاملا، فلك الاختيار في مجاوزة كل حد مضروب، والخروج من أكنان التكاليف إلى باحات الإباحة الواسعة.
ما الحلال؟! وما الحرام؟! ما الامانة؟! وما الخيانة؟! ما الصدق؟! وما الكذب؟! ما هي الفضائل؟! وما هي الرذائل؟!
ألفاظ وضعت لمعان مخيلة، وما لها من حقيقة واقعية في زعم المرشد، فاذا قرر المرشد أصول الإباحة في نفوس أتباعه، التمس لهم سبيلا لإنكار الألوهية، وتقرير مذهب النيتشرية «الدهريين» ، فأتى إليهم من باب التنزيه، فقال: الله منزه عن مشابهة المخلوقات، ولو كان موجودا لأشبه الموجودات ولو كان معدوما لأشبه المعدومات، فهو لا موجود ولا معدوم.
يعني أنه يقر بالاسم، وينكر المسمى، مع أن شبهته هذه سفسطة بديهية البطلان، فإن الله منزه عن مشاركة الممكنات في خصائص الإمكان، أما في مطلق الوجود فلا مانع من أن يتفق إطلاق الوصف عليها وعليه، وإن كان وجوده واجبا، ووجودها ممكنا.
وقد جدت طائفة الباطنية في إفساد عقائد المسلمين، زمانا غير قصير أخذا بالحيلة، ونفاذا بالخدعة، حتى انكشف أمرهم لعلماء الدين، ورؤساء المسلمين، فانتصبوا لدرء مفاسدهم، وتحويل الناس عن ضلالاتهم، فلما رأوا كثرة معارضيهم، شحذوا شفار الغيلة، ففتكوا بكثير من الصالحين، وأراقوا دماء جم غفير من علماء الأمة الإسلامية، وأمراء الملة الحنيفية.
وبعض أولئك المفسدين عندما أمكنته الفرصة، ووجد من نفسه ريح القوة، أظهر مقاصده على منبر «الموت» - قلعة في خراسان - وجهر بآرائه الخبيثة، فقال:
صفحة ٢