الفصل الثالث
أباطيل الدهريين جحدة الأديان
هؤلاء جحدة الألوهية في أي أمة، وبأي لون ظهروا، كانوا يسعون - ولا يزالون يسعون - لقلع أساس هذا القصر المسدس الشكل؛ قصر السعادة الإنسانية، القائم بستة جدران: ثلاث عقائد، وثلاث خصال (¬1) ، أعاصير أفكارهم تدكدك هذا البناء الرفيع، وتلقي بهذا النوع الضعيف إلى عراء الشقاء، وتهبط به من عرش المدنية الإنسانية إلى أرض الوحشية الحيوانية.
لقد وضعوا مذاهبهم على بطلان الأديان كافة، وعدها أوهاما باطلة، ومجعولات وضعية، وبنوا على هذا: ألا حق لملة من الملل أن تدعي لنفسها شرفا على سائر الملل؛ اعتمادا على أصول دينها، بل الأليق بها - على رأيهم - أن تعتقد أنها ليست أولى من غيرها بفضيلة، ولا أجدر بمزية. ولا يخفى ما يتبع هذا الرأي الفاسد؛ من فتور الهمم، وركود الحركات الإرادية عن قصد المعالي، كما تقدم بيانه.
قالوا: إن الإنسان في المنزلة كسائر الحيوانات، وليس له من المزايا ما يرتفع به على البهائم، بل هو أخس منها خلقة، وأدنى فطرة، فسهلوا بذلك على الناس إتيان القبائح، وهونوا عليهم اقتراف المنكرات، ومهدوا لهم طرق البهيمية، ورفعوا عنهم معايب العدوان.
ذهبوا إلى أنه لا حياة للإنسان بعد هذه الحياة، وأنه لا يختلف عن النباتات الأرضية؛ تنبت في الربيع - مثلا - وتيبس في الصيف، ثم تعود ترابا، والسعيد من يستوفي في هذه الحياة حظوظه من الشهوات البهيمية.
وبهذا الرأى الفاسد أطلقوا النفوس من قيد التأثم، ودفعوها إلى أنواع العدوان؛ من قتل وسلب وهتك عرض، ويسروا لها الغدر والخيانة، وحملوها على فعل كل خبيثة، والوقوع في كل رذيلة، وأعرضوا بالعقول عن كسب الكمال البشري، وأعدموها الرغبة في كشف الحقائق، وتعرف أسرار الطبيعة.
صفحة ٢