4
وإن الباحث المدقق في فلسفة ابن خلدون، يستطيع أن يكتشف عدة مواضع تبين أنه كان من أوائل الذين اكتشفوا القيمة الفلسفية للتاريخ، وضرورة اعتماد المعرفة بأسرها على الفهم التاريخي.
بل إن الفيلسوف الإنجليزي «فرنسيس بيكون
Francis Bacon » كان يؤكد على أن «الحقيقة هي بنت الزمن»
5 ، كما أن رفيقه في التجريبية الإنجليزية «ديفيد هيوم
David Hume » والذي كان يعد أكثر التجريبيين إنكارا للعلوم القائمة على الاستدلال التأملي العقلي، فإنه مع ذلك كان أكثر الفلاسفة التجريبيين معرفة بمسائل التاريخ، بل إنه رغم تقتيره الشديد في الاعتراف بشرعية كثير من العلوم التأملية، فإنه اعتبر المعلومات التاريخية أكثر شرعية من بقية العلوم.
6
وبناء على ذلك تكون الفلسفة أو الفهم الفلسفي لطبيعة المشكلة هو الفهم السليم؛ باعتبار أن الفلسفة ستصبح الرابط بين الدين والتاريخ، فهي تدخل في صميم كليهما، وهي - إذا أخذنا بالآراء النازعة في اتجاه الدين والتاريخ - تقوم على الدين والتاريخ، وإذا أخذنا بالآراء التي تلزم جانب الفلسفة ، فإن الدين والتاريخ يقومان على أسس فلسفية، فتصبح الفلسفة عنصرا أو عاملا مشتركا، يمكن بواسطتها إمساك الموضوع من جميع أطرافه بشمولية، تصب نتائجها جميعا في قوالب من الفهم الفلسفي لها، فلا تصبح الدراسة مجرد سرد تاريخي، ولا مجرد عرض لمفاهيم عقائدية، وإنما تصبح علاقة تأثير وتأثر بين الجوانب الثلاثة، أدى لبزوغ أفكار كانت دون مبالغة، أول بوادر التفلسف في تاريخ الإنسانية.
2
وهنا يعن السؤال الأهم حول هذه الدراسة، وهو:
صفحة غير معروفة