الإهداء
مقدمة الطبعة الثانية
المقدمة
الباب الأول: موجز تاريخ مصر القديمة
1 - مصر القديمة على ذمة التاريخ
2 - استقراء التاريخ
خاتمة ونتائج
الباب الثاني: فلسفة الديانة المصرية
1 - فلسفة الوجود المصرية
2 - عقيدة الخلود المصرية
صفحة غير معروفة
3 - مشكلة الإله أوزير
خاتمة ونتائج
الباب الثالث: عقيدة الخلود المصرية عبر مراحلها التطورية
1 - الجماهير تغزو عالم الخلود
2 - الردة والاحتواء
3 - تطور عقيدة الخلود المصرية وسيادتها العالمية
النتائج العامة للبحث
النتائج العامة للبحث
المصادر
مصادر ومراجع الدراسة العربية والمترجمة مرتبة حسب أسماء المؤلفين
صفحة غير معروفة
مصادر ومراجع البحث اللاتينية
الإهداء
مقدمة الطبعة الثانية
المقدمة
الباب الأول: موجز تاريخ مصر القديمة
1 - مصر القديمة على ذمة التاريخ
2 - استقراء التاريخ
خاتمة ونتائج
الباب الثاني: فلسفة الديانة المصرية
1 - فلسفة الوجود المصرية
صفحة غير معروفة
2 - عقيدة الخلود المصرية
3 - مشكلة الإله أوزير
خاتمة ونتائج
الباب الثالث: عقيدة الخلود المصرية عبر مراحلها التطورية
1 - الجماهير تغزو عالم الخلود
2 - الردة والاحتواء
3 - تطور عقيدة الخلود المصرية وسيادتها العالمية
النتائج العامة للبحث
النتائج العامة للبحث
المصادر
صفحة غير معروفة
مصادر ومراجع الدراسة العربية والمترجمة مرتبة حسب أسماء المؤلفين
مصادر ومراجع البحث اللاتينية
رب الثورة
رب الثورة
أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة
تأليف
سيد القمني
الإهداء
إلى إيزيس
ابنتي
صفحة غير معروفة
الأمل الذي أرجوه.
مقدمة الطبعة الثانية
ما يقرب من العشرين عاما انقضت، منذ انتهيت من كتابة هذا العمل كرسالة دكتوراه، وصدرت طبعته الأولى عن دار فكر، وكان رأي مدير الدار حينذاك المرحوم الدكتور طاهر عبد الحكيم أن أقوم بتشذيب الرسالة من مادتها الأكاديمية؛ حتى تصلح لتناول المثقف العادي وليس الأكاديمي، ووافقته حينها على رأيه، وتم نشرها في طبعتها الأولى عام 1988م.
وها أنا ذا أعيد نشر العمل مرة أخرى، لكن في صورته الأصلية؛ من باب التوثيق، حيث سيجد القارئ في هذه الطبعة زيادات الأصل، ودور الفلسفة الرابط بين التاريخ والفكر الديني، الذي كان موضوع الرسالة الأساسي.
ونظرا لأن مقدمة الطبعة الأولى في رأيي فيها كفاية للتعريف بمضمون العمل وخطته؛ فقد رأيت عدم الاستطراد في هذه المقدمة، وترك القارئ أمام العمل مباشرة، مكتفيا بالتنويه السالف.
سيد القمني
المقدمة
1
يمكن التقرير مبدئيا، بأن طبيعة المشكلة موضوع هذا البحث، تجمع بين الفكر العقائدي والفكر الفلسفي، مرتبطين بتطور زمني يجعل التاريخ عنصرا ثالثا وأساسيا في المشكلة إلى جانبهما؛ فهي مشكلة عقائدية؛ لأنها تتناول الإيمان دينيا عند المصري القديم في عالم آخر، يخالف عالمنا هذا في ماهيته ومواصفاته وطبيعته، مخالفة شبه تامة، وهذا الاعتقاد يشكل - بشكل خاص عند المصريين القدماء - الجزء الأكبر من معتقداتهم الدينية، بحيث يستحيل فهم فكرهم السياسي والاجتماعي والديني، وحتى العلمي والعملي، بدون تأسيس هذا كله على عقيدتهم في الخلود.
وهنا تكمن الأهمية الكبرى والقصوى لهذه العقيدة عندهم، حتى أكد البعض أنه لا يمكن فهم أو تصور مصر القديمة بوضوح، دون تصور عالمها الآخر؛ لأن الاعتقاد في هذا العالم قد نفذ إلى كل فكرة وكل سلوك، وصبغ كل شيء مصري قديم بصبغته، وما كان ليحدث تقدم أو تخلف اجتماعي، أو تغيرات سياسية أو اقتصادية، أو فكرية، أو حتى معمارية أو فنية، دون أخذ هذا المعتقد كعامل أول وأساس مشترك، مؤثر ومتأثر بعلاقة جدلية قائمة ومستمرة بينه وبين هذه المتغيرات.
صفحة غير معروفة
كما أن تصورات المصريين القدماء عن هذا العالم، تعطي انطباعا واضحا عن أسلوب تفكيرهم، وعن أخلاقياتهم ونظمهم الاجتماعية، في تلك العصور السحيقة، بل إنه لولا اهتمام المصريين القدماء بعالمهم الآخر، ما وصل إلينا شيء البتة عن تاريخهم؛ فهم لم يدونوا ما دونوا، ولم يهتموا بتسجيل ما سجلوا؛ إلا بسبب - ومن أجل - أملهم العظيم في الخلود.
ولعل الإصرار على رؤية العقلية المصرية، من خلال المنظار الفلسفي لطبيعة المشكلة، يعود في الأساس إلى طبيعة كل من الفلسفة والدين، وغني عن الذكر أن العلاقة بينهما كانت مسألة المسائل، التي شغلت تفكير كثير من الفلاسفة - أو على الأصح أغلبهم - ويعتبر أشيعهم ذكرا في هذا الميدان، الفيلسوف الألماني «هيجل
Hegel »، وهو من هدفت فلسفته في معظمها «إلى بيان أن الدين ينتهي حتما إلى الفلسفة، وأن الفلسفة تؤدي بالضرورة إلى الدين»،
1
بل والأهم أنه اعتبر الدين فيصلا بين الإنسان والحيوان، ومميزا أول للإنسان عن الجنس الحيواني؛ «لأن الدين قائم على الشعور ، الشعور بالخلود، الشعور بالحرية، والشعور لا يوجد إلا عند الإنسان.»
2
وبذلك كانت فكرة الخلود وظهورها عند المصري القديم - إذا طالعناها بالمنظار الهيجلي - هي بداية الإنسانية لإنسانيتها على الأرض، وبداية التفلسف أيضا، كما أنه إذا كانت «الفلسفة تظهر حينما توجد الحياة السياسية»
3 - في رأيه - فإن الفلسفة بهذا المعنى تكون أيضا قد ظهرت مع بداية أول حكومة منظمة في تاريخ العالم، أي: مع الأسرة الأولى في الدولة الفرعونية القديمة.
أما اعتبار المشكلة مشكلة تاريخية أيضا، فهذا أمر لا يحتاج إلى تفصيل، باعتبار خضوع المسألة بكليتها لظروف تاريخية محددة، أو باعتبار أن عقيدة الخلود - كأي عقيدة أخرى - قد مرت بمراحل تطورية، عبر فترات زمنية، تأثر فيها تطورها بعدة عوامل هي في حقيقتها أحداث تاريخية، لا يمكن فصلها عنها بأي من الأحوال.
وهنا أيضا تظل الطبيعة الفلسفية قائمة؛ لأن العلاقة بين التاريخ والفلسفة قائمة ومتوثقة، ولقد هدفت فلسفات كثير من الفلاسفة مثل «كولنجوود» إلى تأكيد «أن المشكلات الفلسفية التي تواجه الفيلسوف، في حاجة إلى الفهم التاريخي، كما أن أكثر هذه المشكلات تاريخية في صميمها.»
صفحة غير معروفة
4
وإن الباحث المدقق في فلسفة ابن خلدون، يستطيع أن يكتشف عدة مواضع تبين أنه كان من أوائل الذين اكتشفوا القيمة الفلسفية للتاريخ، وضرورة اعتماد المعرفة بأسرها على الفهم التاريخي.
بل إن الفيلسوف الإنجليزي «فرنسيس بيكون
Francis Bacon » كان يؤكد على أن «الحقيقة هي بنت الزمن»
5 ، كما أن رفيقه في التجريبية الإنجليزية «ديفيد هيوم
David Hume » والذي كان يعد أكثر التجريبيين إنكارا للعلوم القائمة على الاستدلال التأملي العقلي، فإنه مع ذلك كان أكثر الفلاسفة التجريبيين معرفة بمسائل التاريخ، بل إنه رغم تقتيره الشديد في الاعتراف بشرعية كثير من العلوم التأملية، فإنه اعتبر المعلومات التاريخية أكثر شرعية من بقية العلوم.
6
وبناء على ذلك تكون الفلسفة أو الفهم الفلسفي لطبيعة المشكلة هو الفهم السليم؛ باعتبار أن الفلسفة ستصبح الرابط بين الدين والتاريخ، فهي تدخل في صميم كليهما، وهي - إذا أخذنا بالآراء النازعة في اتجاه الدين والتاريخ - تقوم على الدين والتاريخ، وإذا أخذنا بالآراء التي تلزم جانب الفلسفة ، فإن الدين والتاريخ يقومان على أسس فلسفية، فتصبح الفلسفة عنصرا أو عاملا مشتركا، يمكن بواسطتها إمساك الموضوع من جميع أطرافه بشمولية، تصب نتائجها جميعا في قوالب من الفهم الفلسفي لها، فلا تصبح الدراسة مجرد سرد تاريخي، ولا مجرد عرض لمفاهيم عقائدية، وإنما تصبح علاقة تأثير وتأثر بين الجوانب الثلاثة، أدى لبزوغ أفكار كانت دون مبالغة، أول بوادر التفلسف في تاريخ الإنسانية.
2
وهنا يعن السؤال الأهم حول هذه الدراسة، وهو:
صفحة غير معروفة
لماذا البحث في عقيدة الخلود بالذات؟
يقول الكاتب الإسباني «ميجل دي أونامونو
Migel De Unamuno »: «كنت أتحدث إلى فلاح ذات يوم، واقترحت عليه وجود إله يحكم في الأرض وفي السماء، كما افترضت عليه أيضا عدم وجود عالم آخر، وأنه لن يكون بعث ولا نشور بالمعنى التقليدي المعروف، فأجابني الفلاح قائلا: وما فائدة وجود الله إذا؟!»
7
وتوضح هذه الفقرة معاني عقائدية، لا تقتصر على المستوى البسيط لهذا الفلاح، بل تتجاوزه إلى أكبر العقول ثقافة، وإلى عمق الجذور التي تقوم عليها عقائد كثيرة، ولعل أهم هذه المعاني:
الارتباط المتكامل بين العقيدتين الإلهية والأخروية، ارتباطا يصعب فصمه، مما يجعل البحث في إحداهما مستقلا عن الأخرى في ديانة ما، مسألة شائكة ومعقدة وصعبة إلى حد كبير.
إن الأولوية لدى العقائديين، لا زالت للعالم الآخر؛ لأنه يحمل معنى الخلود، وبقياس منطقي بسيط يمكن القول: إنه لو لم يكن هناك خلود لمات الله. ولربما كان «لوثر» يقصد هذا عندما قال: إذا لم تعتقد في اليوم الآخر، ما ساوى إلهك عندي شيئا.
8
وهذا هو السبب الأول لاختيار عقيدة الخلود؛ لمعالجتها في هذا البحث.
كما أن العالم الآخر عالم غيبي، لا دليل عليه سوى ما ورد عنه في بعض السطور في بعض الصحائف المقدسة، دون بعضها في ديانات أخرى، فأصبح موضوعا مختلفا عليه، وعلى ماهيته ومواصفاته، بل وعلى وجوده أصلا، بين الغيبيين أنفسهم، مما يجعله موضوع تصديق وتكذيب؛ ليستمر قلقا بين الوجود والعدم. هذا رغم ارتباطه ارتباطا وثيقا، بالسلوك الخلقي والشخصي والاجتماعي للإنسان، حتى إن بعض الديانات الحية كالمسيحية والإسلام، ترى أن عدم الإيمان بالحياة الأخرى، معناه الانهيار الكامل للنظام الأخلاقي الدنيوي برمته، بل وانهيار الإيمان بالله ذاته.
صفحة غير معروفة
وغني عن الذكر أن فريقا كبيرا من الفلاسفة يرى الرأي نفسه، ولعل أصدق من يمثلهم هنا، فيلسوف النقدية الألماني «عمانوئيل كانط
lmmanuel kant »، الذي بنى دليله الوحيد على وجود الله والعالم الآخر معا، على النظام الأخلاقي الدنيوي، وذهب إلى أنه لو لم تكن هناك حياة أخرى يكتمل فيها تحقيق المثل الأخلاقية، لما أصبح للأخلاق في هذا العالم معنى.
9
وقد كتب كانط
Kant
مقالا صغيرا عن «نهاية كل شيء»، أوضح فيه أن العالم كله سينتهي إلى غاية واحدة، هي نهايته، ولن يبقى سوى الله وحده، بمعنى أنه يقضي على الزمان ليثبت الخلود،
10
وفلسفته الدينية في مجملها، تفرق بين نوعين من الإيمان بالله:
الإيمان أو اللاهوت الفيزيقي
Thelogie physique : الذي يعتمد على الغائية في الطبيعة.
صفحة غير معروفة
الإيمان أو اللاهوت الخلقي
Thelogie morale : الذي يعتمد على الغائية الخلقية للسلوكيات البشرية.
وينتهي كانط
Kant
من دراسته للاهوت الخلقي، إلى إثبات وجود الله كعلة خلقية للعالم، وغاية قصوى تطابق القانون الخلقي، بحيث لا يمكن الاستغناء بالقانون الخلقي عن الله،
11
لأنه هو الضامن للأخلاق أو الدال عليها، ومن ثم تكشف الإلزامات الخلقية عن الله. وباختصار وبساطة، يمكن القول: إن كانط
Kant
لم يقل شيئا أكثر مما قاله فلاح أونامونو. ونعتقد أن هذا الرابط بين الإيمان بالخلود، وبين النظام الخلقي الدنيوي، سبب آخر كاف لإعطاء موضوع الخلود أهمية تجعله جديرا بالبحث.
والأمر الواضح والمأخوذ على مكتبتنا العربية، هو إقلالها الشديد في الدراسات الموضوعية، حول العقائد السابقة على الإسلام، وبذلك تعاني نقصا وفقرا شديدا في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بعقائد الحضارات القديمة وما تيسر لنا منها، وجدناه يعامل هذه المعتقدات إما باعتبارها مثيولوجيا خالصة، من منطق التسفيه والتكفير. بل إن بعضها كان يعاني من سطحية شديدة في البحث لا تراعي أبسط شروط البحث السليم؛ كمراعاة الفارق الزمني، وما يستتبعه من فوارق في مختلف الإمكانات المتاحة، مثلا.
صفحة غير معروفة
ويلاحظ على هذه الدراسات العقائدية العربية، اقتصار كل منها في الغالب على البحث في ديانة معينة ، يتم تناولها في مجملها، دون بيان واضح للخطوط الفاصلة بين معتقد ومعتقد، داخل هذه الديانة المدروسة.
علما أن المترجمات التي تناولت العقائد القديمة، وخاصة عقائد مصر الفرعونية، لم تتناول عقيدة الخلود منفصلة عن بقية فروع الديانة، انطلاقا من قاعدة هي أن هذه العقيدة بالذات هي لب الديانة المصرية وأساسها وجوهرها، فجاءت مختلطة ببقية عقائدها؛ مما جعل الحديث عنها، مستقلة، أمرا صعبا.
وهذا ما نجده مثلا عند «أدولف إرمان
A. Erman » في «ديانة مصر القديمة»، وإن كان ذلك لا يجعلنا نجحد فائدته الكبيرة لهذا البحث، أو ما نجده مختلطا أكثر بالعرض التاريخي في دراسات أخرى، كما عند عبد العزيز صالح في مجموعته الضخمة الشرق الأدنى القديم، أو عند نجيب ميخائيل في سلسلة كتبه مصر والشرق الأدنى القديم، أو سليم حسن في مجموعته «مصر القديمة»، وهي مجموعات هائلة كيفا وكما، وكان لها فضل لا ينكر على بحثنا هذا.
وفي مجال الإشارة للكتب التي أفادتنا لا يفوتنا أن نذكر «فجر الضمير» للمؤرخ والأثري «جيمس هنري برستد
J. H. Breasted »، و«الحضارة المصرية» للأثري «جون ولسن» كما كانت هناك فوائد خاصة لبعض الكتب التاريخية، كمساعدتها في تفهم خط سير التاريخ المصري منذ بداية العصور التاريخية، وقد برزت أهميتها بوضوح أثناء كتابة الباب الأول من هذه الدراسة، ولعل أجدرها بالذكر هنا «مصر الخالدة» لعبد الحميد زايد، وكتاب «تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى الفتح الفارسي» ل «برستد
»، و«قصة الحضارة» لول ديورانت.
إلا أن الملاحظة الجديرة بالتسجيل في مقام عرض ثروة المكتبة العربية العقائدية، أن أغلب المؤلفات العربية كان واضحا فيها روح تبعية واضحة لآراء الأثريين الغربيين وأخذها كمسلمات، والملاحظ بشكل عام على ما تم من دراسات حول العقائد القديمة، أن مجملها كان تسجيليا، وبعض القليل كان وصفيا، وأقل القليل ناقش أو قارن، وأنها بنظرة مجملة لم تجب عن كثير من الأسئلة حول عالم الخلود بوضوح أو بتفصيل؛ مثل:
أين تخيل المصريون القدماء موقعه في الكون؟
زمن وجوده؛ بمعنى: هل هو موجود حاليا بجانب عالمنا هذا؟ أم فيما وراءه ؟ أم سيكون بعد زوال منتظر لعالمنا المحسوس؟ أم أنه صورة مستقبلية له بعد تغيير أو تبديل سيتم فيه؟ ... إلخ.
صفحة غير معروفة
العلاقة الجدلية القائمة بينه وبين أطراف العقيدة الشاملة المرتبط بها، وبينه وبين نظيره في ديانات مختلفة، وعلاقات التأثير والتأثر التي يحتمل قيامها على هذه العلاقة.
وإن كل هذه الأسباب السالفة، تدعو إلى إضافة بحث جديد، يتناول هذا المعتقد بشكل مستقل - قدر ما يمكن - عن بقية المعتقدات؛ شرحا وتفصيلا.
ومع كل ما سلف، تأتي أسباب أكثر أهمية لاختيار الديانة المصرية؛ لدراسة عقيدتها في الخلود، لعل أولها إشارة كثير من الباحثين إلى سبق الديانة المصرية للفلسفات التي تلتها تاريخيا، بحيث يصبح من واجب الباحثين تناول هذه الديانة بقدر أكبر من الاهتمام.
مضافا إلى ذلك ما قيل حول تأثير الديانة المصرية القديمة، وبخاصة عقيدتها في الخلود، على الديانات الأخرى التي تلتها في الظهور، أو ما تأكد يقينا بعد جملة دراسات عند برستد
Breasted
وديورانت، من تأثيرها الكبير في العقائد العبرية، نكتفي بالإشارة إليها، مع إحالة القارئ إلى «فجر الضمير» لبرستد
Breasted
و«قصة الحضارة» لديورانت، هذا مع ما أشار إليه بعض الباحثين، حول تأثيرها العميق في العقيدة المسيحية.
والأخطر ما أكده بعض الباحثين، حول قوة تأثير عقيدة الخلود الفرعونية وعمقها فيما تلاها، حتى وصل هذا التأثير في مده ومداه إلى اليوم، وهو ما يعبر عنه جون ولسن بقوله: «إن مصر القديمة، كانت الينبوع الذي استقينا منه ميراثنا الخلقي»
12 ... أو ما تعبر عنه رؤية برستد
صفحة غير معروفة
Breasted
لمصر، كمهد لأعلى معاني المدنية، وقوله: «كشفت وأنا مستشرق مبتدئ، أن المصريين كان لهم مقياس أسمى بكثير من الوصايا العشر، وأن هذا المقياس قد ظهر قبل أن تكتب تلك الوصايا بألف سنة.»
13
وبناء على ذلك، تأخذ الديانة المصرية القديمة وعقيدتها في الخلود شكلا جديدا، هو سر الاهتمام ببحثها؛ وهي أنها ليست مجرد ديانة تمثل بداية الأطوار التطورية للعقل البشري، وإنما أيضا لأنها ديانة أثرت في العقلية البشرية، وعاشت حية فيها من خلال عقائد أخرى، أخذت عنها وتأثرت بها.
وهناك أسباب هامة أخرى دفعت إلى هذه الدراسة، تتلخص فيما أثير من جدل حول قيمة الديانة المصرية القديمة، فنجد في هذا المجال آراء أخرى ترى أن الديانة المصرية، رغم طول بقائها الزمني لأكثر من أربعة آلاف عام، فإنها لم تستطع أن «تصبح قوة روحية شاملة أبدا، ولا أن تثمر فلسفة حياتية ملائمة»
14
بل ويرى البعض مثل «إريك بيت
Erik peet »
15
أن شهرة العقائد المصرية خطأ شائع، يرجع في الحقيقة إلى شهرة الإسكندرية التي ينسبها فكريا إلى اليونان، ويذهب إلى أن دينهم كان مجموعة خرافات وأساطير، وخاليا تماما من النظر في الوجود والموت والأخلاق، وأنهم - في رأيه - قوم كتب عليهم الجمود ولم يرتقوا يوما ارتقاء عقليا أبدا.
صفحة غير معروفة
وإن هذا التعارض في الآراء، يعد سببا وجيها جديدا يضاف إلى مجموعة الأسباب؛ ليجعل البحث في عقيدة الخلود الفرعونية أمرا مطلوبا؛ لحل هذا التعارض، والوصول بالأمر إلى حقيقته، على الوجه الأقرب إلى الصحة واليقين.
3
وتنقلنا هذه الأسباب إلى سؤال جديد وهام، هو:
لماذا أعتبر موضوع البحث مشكلة؟ وللإجابة نقول:
أولا: يمكن اعتبار الأسباب السالف إيرادها لاختيار الموضوع تفسيرا لاعتباره مشكلة، كما أنه لن يكون قصورا من الباحث ولا ابتداعا منه التأكيد من البداية على أن البحث في ديانة مصر القديمة، أمر شائك ومشكلة كبرى معقدة أشد التعقيد. حتى قال برستد: إن العقائد المصرية القديمة قد تشابكت حتى «صارت تشبه حزمة خيوط معقدة، مما يجعل بحثها الآن صعبا جدا، بل يكاد يكون مستحيلا.»
16
أو ما أكده «ستانلي. ا. كوك» في قوله: إن «آراء المصريين في الآلهة والموتى، أكثر تعقيدا واضطرابا من أن تسمح ببسطها بسطا يسهل إدراكه»،
17
وهو ما تذهب إليه «إليزابيث رايفشتال» بقولها: «إن الديانة المصرية موضوع لا يقبل التحليل الموجز، بل لا يقبل التحليل على الإطلاق.»
18
صفحة غير معروفة
وما أقر به - إقرار الخبير - الآثاري إرمان حول صعوبة حصول الباحث على فكرة متصلة الحلقات عن عقائد مصر القديمة، وأنه «إذا أريد استقصاء التفاصيل، فدون ذلك متناقضات من ضروب شتى.»
19
ويعزو هؤلاء جميعا أسباب صعوبة البحث في عقائد الفراعنة - أو استحالته بتعبير برستد - إلى : أن الديانة المصرية لم تكن تتألف من عقيدة واحدة، متسقة في جميع تفاصيلها وأجزائها، يدين بها المصري في كل العصور، وإنما كانت تتألف من عقائد عبادات مختلفة، تتصل بعبادات محلية متفرقة، بما حيك حول كل منها من فكر وأساطير، فأصبحت تحوي تناقضات صارخة من مفارقات شتى، لا تأتلف مع بعضها البعض بأي حال، فكانت النتيجة أن ترك لنا المصريون القدماء نصوصا متضاربة، مما حدا بالباحثين إلى إعلان «أن الأمر ينجلي عن اضطراب لا مثيل له؛ فهذه النصوص لم تعرف النظام أبدا، خلال الثلاثة آلاف سنة التي عاشتها الديانة المصرية بعد عصر نصوص الأهرام»
20
حتى إنهم كانوا يعجبون «كيف تحمل شعب ذكي هذا الخلط قرنا بعد قرن.»
21
ومع ذلك التناقض والتضارب الشديدين في نصوص الديانة المصرية القديمة، فإن المصري القديم لم يكن يشعر «من جراء تضاربها بأي قلق، أكثر مما كانت تشعر به أية حضارة قديمة أخرى، باستبقاء طائفة من عقائدها الدينية - جنبا إلى جنب - مع عقائد أخرى تخالفها أو تتناقض معها كل التناقض.»
22
وإن السبب المؤكد لهذا الاضطراب في عرف هؤلاء الباحثين «لا يرجع إلى طبيعة المصريين، وإنما إلى أنها (ديانتهم) تراث أجيال طويلة وعبادات مختلفة.»
23
صفحة غير معروفة
وإذا كان هذا هو رأي علماء المصريات؛ فقد بات واضحا من البداية أن عوائق الدراسة في تلك الديانة القديمة كانت جمة وكثيرة، خاصة إذا علمنا أن عقيدة الخلود - موضوع البحث - هي أساس هذه الديانة، والقاسم المشترك بين عقائدها المختلفة المتضاربة، فنالها من التضارب نصيب أوفى وأكبر من نصيب أي عقيدة أخرى في هذه الديانة؛ لأنها حملت من أصناف هذا التضارب أنواعا تتعدد بتعدد العقائد التي شاركت فيها. ولم تكمن العوائق فقط في هذا التناقض والتضارب داخل ديانة مصر القديمة، بل أيضا في دخول عقائدها مراحل تطورية ليس لها سنة ولا قانون؛ فقد كانت طورا إلى الأمام وطورا إلى الخلف، فطورا ارتبط هذا التطور منطقيا مع عهده وعصره، ومع التسلسل التاريخي العام لحضارة مصر الطويلة، وأطوارا خرج هذا الارتباط عن كل حدود الفهم والمنطق تماما !
وكان لخيال الكهان في العصور الفرعونية المتوالية دور أنكى وأمر، بما أضافوه من أمور شتى متتالية، لتتراكم فوق بعضها البعض، مضافا إلى كل هذا تواجد بعض العقائد المتعارضة داخل النص الواحد، مما جعل الفصل بين الرأي والآخر، أمرا غاية في الصعوبة. زد على ذلك بعض الأساطير المقدسة التي دخلت خليطا بين نصوص هذه العقائد بروايات مختلفة، اختلفت باختلاف آراء كاتبيها وأمزجتهم، وحسب الظروف والملابسات التي أحاطت بزمن كتابتها، فكان أن كتبت الأسطورة الواحدة مرات متتالية متفرقة عبر قرون طويلة، فإذا بها بعد جمعها قد اختلفت في أحداثها، وتضارب أولها مع آخرها، بل إن بعض كتاب هذه العهود كان يضع لما يكتب تاريخا مغايرا لتاريخ عصره الحقيقي؛ بقصد رفع قيمة ما كتب، أو لإعطاء كتاباته هالة قدسية؛ تحقيقا لأغراض خاصة، متداخلا مع كل هذه المتراكمات، ووسط هذا الازدحام - باستمرار وإصرار - أورادا سحرية بلا معنى ولا رابط ولا زمام، جعلت التفرقة بين ما هو حقيقة، وبين ما هو من سحر الخيال مسألة تحتاج إلى سحر معاصر لفك طلاسمها، مما جعل تعبير برستد
Breasted
بأن حل هذا كله من ضروب المستحيل، تعبيرا غير مبالغ فيه.
وقد أدى ذلك بدوره إلى تناقض ما وصل إليه علماء المصريات مع بعضهم البعض في تفسير النص الواحد أو الحدث الواحد، أو في نسبة هذا النص أو الحدث التاريخي إلى زمنه الصحيح - تبعا لتناقض موضوع بحثهم ذاته - كما كانت تفسيراتهم في بعض الأحايين متضاربة، بل واختلفوا أحيانا حول مراحل بكاملها من مراحل هذا التاريخ العتيد! بل إن محاولة وضع هذه الأمور في نصابها، قد دفع الباحث إلى بحث مسائل لم تكن من قبل في عداد المشاكل، وبالتالي خلق مشاكل جديدة تحتاج إلى حل، خلقا أجبرته عليه خطته، وإصراره على الوصول بالأمور إلى وضعها الأقرب إلى الصحة؛ كمشكلة الإله أوزير التي واجهته لدى قراءته في أوليات المصادر، ذلك الإله الذي كان قاضيا للحساب في عقيدتين تنافرتا كل التنافر؛ نتيجة حتمية لتنافر المصالح الطبقية، فقد كانت أولهما عقيدة الملكية الرسمية ، والثانية عقيدة الشعب الجماهيرية.
4
والهدف من هذه الدراسة هو في حقيقته مجموعة من الأهداف، هي:
أولا:
تنقية عقيدة الخلود الفرعونية من علائقها بالمعتقدات الأخرى التي تشابكت معها؛ حتى يمكن دراستها مستقلة منذ مناشئها البدائية الأولى، وعبر مراحلها التطورية؛ حتى يمكن تكوين تصور أوضح عن الخلود الفرعوني، مع محاولة التفسير والتعليل، وفهم الأسباب والنتائج، عندما يستدعي المقام ذلك.
ثانيا:
صفحة غير معروفة
وضع فصول مستقلة لبيان هذه الارتباطات بين عقيدة الخلود وبين بقية العقائد؛ لإيضاح العلائق بينها متى وجدت، وبخاصة العقيدة الإلهية، وما تحويه من آراء في الوجود؛ باعتبارها اعتقادا ملازما لعقيدة الخلود.
ثالثا:
محاولة اكتشاف ملامح السبق أو التأثير للديانة المصرية في فلسفات وعقائد الأمم التالية، دون إفاضة تبعد البحث عن موضوعه الأساسي، بمعنى محاولة العثور على ما يمكن اعتباره أصولا أولى، بدأت ظهورها عند المصريين؛ لتصب بعد ذلك في العقائد التي تلتها، اعتمادا على أساسين جوهريين:
الأساس الأول:
العراقة التي تميزت بها ديانة مصر القديمة وقدمها التاريخي.
الأساس الثاني:
أنه لا يمكن استبعاد هذا التأثير المصري فيما عاصره أو تلاه؛ إعمالا لمبدأ الاتصال الدائم والقائم باستمرار للفكر البشري، فليس هناك ما يمنع من حدوث تبادل ثقافي بين مصر وجاراتها، وهذا ما يرجح حدوثه في عصر الإمبراطورية المصرية التي امتدت من الجندل الرابع في العمق الأفريقي، وحتى الفرات الأسيوي شمالا وشرقا، في عصر الدولة الحديثة.
ومن ثم الانتهاء من هذه المحاولة بوضع ما قد يتم اكتشافه حول تأثير هذه العقيدة المصرية فيما تلاها في شكل واضح، وبحثه قدر الجهد، وبقدر ما تسمح به طبيعة البحث، أو تركه على صورته الواضحة تلك، لمن يستطيع أن يتابع السير على النهج، إذا لم يتسع مجال دراستنا لبحثه تفصيلا، أو إذا قصرت القدرة، ولم تستطع استطاعتنا استكمال بحثه.
رابعا:
ولعل الموضوع الأساسي والرئيسي هو استنطاق التاريخ ما اختفى وراء غمار أحداثه الظاهرة، حول تأثير العوامل السياسية والاجتماعية على العقل المصري القديم، بحيث دفعته إلى تصوراته عن عالم الخلود، ونتائج هذا الارتباط بين الحدث السياسي أو الاجتماعي، وبين تطور هذا المعتقد ومفاهيمه.
صفحة غير معروفة
خامسا:
البحث عن الحقيقة الكامنة وراء آراء الباحثين المتضاربة حول الديانة المصرية القديمة؛ هل كانت هذه الديانة في جوهرها ساذجة فطرية كما اعتقد البعض؟ أم كانت فكرا عميقا قويا كما ذهب البعض الآخر؟ وهل كان تضاربها الظاهر يعود إلى عقلية متخلفة؟ أم أنه كان وراء هذا الاضطراب أسباب أدت إليه؟ وهل يمكن الوصول - تسللا عبر هذا الاضطراب - إلى حقائق فكرية ثابتة يحتمل أن المصري القديم آمن بها؟ وتؤخذ له لا عليه؟!
سادسا:
إلقاء الضوء باستمرار حول كل نقطة تطورية يمكن اكتشافها في السلسلة التطورية لهذه العقيدة، مع ربطها بأحداث عصرها وملابساته؛ لبيان الأسباب والنتائج، حتى يمكن في النهاية رسم صورة واضحة للخط التسلسلي التطوري لهذه العقيدة، إبان سيرها خلال العصور المتوالية.
سابعا:
ويؤدي هذا بنا إلى محاولة إعادة ترتيب النصوص التاريخية والدينية المصرية القديمة، وفق خطة منهجية، تحاول اكتشاف الحقيقة وراء التضارب الظاهر؛ لإبراز أوجه الاتفاق والاختلاف، والتأثير والتأثر المتبادل بين هذه النصوص، وبين الظروف التاريخية؛ سياسية، أو اجتماعية.
ثامنا:
الانتهاء من هذا كله إلى هدف يجمع كل هذه الأهداف معا، وهو الكشف عن طريقة وأسلوب العقل البشري، في حقبة قديمة من حقب التاريخ الإنساني، والقوانين التي حكمت تطوره الفكري، وتصورات المصري القديم للعالم الآخر، مكانا وزمانا ومواصفات وماهية.
5
ولكن ما السبيل إلى تحقيق هذه الأهداف؟ خاصة أمام تعبير برستد
صفحة غير معروفة
Breasted
عن استحالة ذلك؛ هذا التعبير الذي قد يكون باعثا للتساؤل حول قيمة هذا البحث برمته؟!
إن الباحث لا يدعي قدرات ليست له، ولا يصل به الظن إلى حد إمكان تجاوز «الاستحالة»، ولا يزعم لنفسه فهما يفوق أصحاب المسألة المتخصصين، إنما هو يزعم «المحاولة» فقط، لدفع الموقف عبر الاستحالة، من خلال عمليات ترتيب وتنظيم وتبويب جديدة تماما، للموجود منذ القديم، فلربما تصبح المسألة أكثر قبولا، وأقل تناقضا واضطرابا، بدفع من إيمان عميق برأي يؤكد أنه «لو كتب على أصحاب التفتحات الجديدة أن يخذلوا إنسانيا وتاريخيا، لما كانت الإنسانية تنعم بما تنعم به اليوم، ولما كان هناك مجال للتطور »،
24
لأنه «ليس كل مألوف أو كل معروف، هو الذي ينبغي أن يظل ثابتا»،
25
فلربما تكون «القاعدة نفسها التي تعلم الناس الأصول بحاجة إلى إحياء وتحديث»،
26
وهذا ما كان يؤكده المستشرق الفرنسي «ميشال آلار» لتلامذته الباحثين دائما بقوله: إنه «لا يمكن لعلم البارحة أن يكون كافيا، وأحيانا لا يكون له أي قيمة لعلم اليوم.»
27
صفحة غير معروفة