وما كان لنبيل أن يصرح بمثل هذا الكلام، مهما بلغت منزلته، أو يجرؤ على ذلك، لو لم يكن معضدا من ثورة حقيقية فعلية، وبسند قوي من رجاله ومن جيشه الذي كان لا بد أن يتكون بداهة من أولئك الرجال، حتى وصل الأمر بهذا التحالف الثوري، إلى حد قطع الموارد عن العاصمة، حتى عجزت عن تنفيذ أوامرها وممارسة سلطاتها.
31
وعليه يمكن القول: إنه إذا كان عصيان النبلاء، قد بدأ في الأسرة الخامسة، وأخذ مظهره في الأسرة السادسة، «أمكن أن يكون هنا التوقيت الحقيقي للثورة، فتصبح بدايتها النظرية في منتصف الأسرة الرابعة تقريبا، ثم بدايتها العملية بقيادتها من النبلاء خلال الأسرة الخامسة، ثم تفجرها الشعبي الكامل، في نهايات الأسرة السادسة»، بعد أن بات واضحا للجماهير أن النبلاء لم يظلوا على حالهم من عدالة الحكم ورعاية شئون الجماهير، فبعد ذهاب هيبة الملكية، وتحولها إلى اسم بلا كيفية، تحولت أسر النبلاء للاستئثار بخيرات الأقاليم، دون غالبية المحرومين من المواطنين، «مما يدعونا إلى افتراض أن هذا الوقت كان بداية الطلاق بين النبلاء والجماهير»، التي انطلقت تدمر بلا تمييز، لا تبقي ولا تذر؛ لتنال من النبلاء والملكية على حد سواء.
وبذلك نصل إلى استنتاج أن:
الصراع الاجتماعي كان ثورة حقيقية لا مجال للشك فيها.
أنها كانت موجهة ضد كل أنواع السلطة؛ ملكية، وإقطاعا، ودينا.
أنها بدأت عمليا وشعبيا قبل سقوط الأسرة السادسة، بل وكانت العامل الحاسم في هذا السقوط وسقوط الدولة القديمة برمتها، وأغلب الظن أن نذرها العملية، قد بدت في تقرير «مانيتون» «أن الملك «تيتي
Titi »» قد قتل بيد حراسه.
32
وبالإضافة إلى ما سبق من تدعيم لمذهبنا في أن الصراع الاجتماعي كان ثورة طبقية، سابقة لسقوط الأسرة السادسة، وسببا مباشرا لسقوطها، يمكن أن نورد نصين غاية في الخطورة والدلالة؛ أحدهما يبرز لنا أهم آراء الشعب، في نظام الحكم الذي يرجوه من عدالة وديمقراطية، والآخر يعطينا صورة للإنسان الثوري المصري ومبادئه، ويزعم البعض أنهما قد ظهرا بعد نهاية الثورة، وفي عهد حكم الدولة الننسوتية بالذات، وإن كان حول هذا التوقيت شك كبير.
صفحة غير معروفة