وليتك تذوقت بعض هذه المصائب؛
وإذن لقصصت خبرها بنفسك!
ثم كيف تأتى للعامة أن ينتهكوا مقابر الملوك ويدمروها، وهم من كانوا يمثلون الآلهة المقدسة؟! تلك التي غدت محل سخرية الثوريين، فذبحوا لها الأوز على أنه ثيران! ودمروا لها معابدها، أو ما بدا واضحا في تساؤل «الرجل الأحمق» أو «الرجل الثائر»: «إذا عرفت أين يوجد الإله، قدمت له القرابين!»
حقيقة لا يمكن فهم هذا كله، إلا على أنه ثورة واعية ذات اتجاهات إلحادية، لم تتجه فقط ضد الإقطاع، وإنما أيضا ضد الملكية والدين؛ مما يعني أنها قد بلغت اكتمال نضجها في هذا العهد، بعد عهود ظلام وصبر طويلة، ولم تكن وليدة ظروف التسلط الإقطاعي في الأسرتين الخامسة والسادسة، وإنما هي تمتد بجذورها إلى أيام الاستعباد في الأسرة الرابعة، وما تركه هذا الاستعباد محمولا في النفوس ليتأجج في الأسرة الخامسة ، ثم يتفجر في الأسرة السادسة. «بل ويمكن التكهن - تكهنا جديدا تماما - بأن بداية تمرد النبلاء في أواسط الأسرة الخامسة، لم يكن في حقيقته سوى مقدمات ونذر هذه الثورة»، ويكون المعنى هو: احتمال كون الثورة قد بدأت تنفيذ مخططاتها في الأسرة الخامسة بالتحالف مع حكام الأقاليم النبلاء كقيادة لها؛ استنادا إلى بعض المدونات التي توحي بأن «حكام المقاطعات أولعوا بالاستقلال، لكن يبدو أنهم كانوا في الغالب يحبون مقاطعاتهم حبا خالصا، وظهروا بمظهر المحسنين نحو رعاياهم.»
28
ويشير أحد النبلاء في متنه الجنائزي، إلى فخره بمحاولة حل مشكلات ثلاث، كانت هم الجماهير الكبير؛ وهي: مشكلة اضطراب الأمن، ومشكلة تطهير الترع القديمة وحفر ترع جديدة وإصلاح الأراضي البور، ومشكلة المجاعة والفقر.
29
وما كان يمكن أن يهتم نبيل بحل هذه المشكلات، ولا حتى بذكر ذلك - ناهيك عن أنه يفخر به - أو حتى أن نتمكن من فهم هذا الكلام، إذا لم يكن هناك تحالف بين القوى الثورية وبين القوى النبيلة، في بداية الثورة.
ويدعم هذه الرؤية أن هؤلاء النبلاء قد تمادوا «في عصيانهم، فكتب أحدهم نقوشا، افتخر فيها بأنه نجى بلده من ظلم واضطهاد البيت المالك»،
30
صفحة غير معروفة