وقال جالينوس: أوفق الشراب كله لتوليد الدم ما كان أحمر غليظًا فإذا مزج يسيرًا ينقلب فيصير دمًا. وأما الشراب الأسود الغليظ فيولد دمًا غليظًا، وأقل أنواع الشراب كلها غذاءً ما كان لونه أبيضَ وقوامه رقيقًا وكان شبيهًا بالماء. والشراب الغليظ أكثر غذاءً من الرقيق. والشراب الحلو أسرع انهضامًا في المعدة من الشراب القابض وأسرع نفوذًا إلى الكبد وإلى سائر الأعضاء لأن قوته أسخن. وما غلظ من الشراب كثيرًا فهو أبطأ انهضامًا ونفوذًا إلى الكبد وإلى الأعضاء إلا أنه إن صادف معدةً لها فضل قوةٍ حتى ينهضم على ما ينبغي، غذيّ البدن غذاءً كثيرًا.
وقال إسحق بن عمران في النبيذ المطبوخ من الزبيب، إنه دواء. وقال في النبيذ النقيع إنه يغذي البَدَن كاللبن للمولود وبخاصةٍ للشباب والصفراويين، وغذاءُ كل شراب بمقدار غلظه، وأوفق الأغذية للبدن الضعيف الشرابُ الحلوُ، ولا سيما لمن لم يكن في كبده ولا طحاله ولا كلاه آفةٌ وأوفقها لما كان في عروقه خلطٌ. وما كان من الشراب طيبَ الرائحة فالدم الذي يتولد منه أجودُ. والشراب اللطيف أعون على إدرار البول. وينبغي أن يجتنب من الشراب ما كان غليظًا كريه الطعم قابضًا لأنه أردى غذاءً. والأشربة القابضة لا تولد دمًا محمودًا وإن كانت قد تقوي المعدة إذا استرخت وضعفت، وكذلك البطن لا سيما إذا كانت علة البطن والمعدة من مزاجٍ حار، وإنما تستعمل الأشربة القابضة عند الحاجة إلى حبس البطن المنطلق، وأما في غير ذلك فلا ينبغي لأنه ليس بجيدٍ لنفوذ الغذاء ولا لتوليد الدم ولا لجودة الغذاء ولا لدرور البول وخروجه، ولا لإطلاق البطن. وما كان من الشراب أصفر يضرب إلى الحلاوة طيِّب الرائحة، فلا ينبغي أن يشربه من كان الغالب عليه المرار ولا من أصابه حرٌّ أو تعب أو اغتم، ولا في الأوقات الحارة والبلدان الحارَّة. وهذا الشراب الأصفر جيِّد التسخين لمن كان الغالب عليه البرد والبلغم والمزاج البارد، ولمن في بدنه أخلاطٌ نِيَّة ولِمَن شأنه السكون والخفض في البلاد الباردة، وفي الشتاء والهوى البارد. وينبغي أن يجتنب من الشراب ما عتق حتى صار مُرًا فإنه يسخن أكثر مما ينبغي، والشراب الحديث جدًا لأنه يسخن ولا يُمري الطعام، وهو بطيئ الانحدار، بطيء النفوذ، وليس يُدرُّ البول ولا يعين على توليد الدم ولا يغذي البدن لبقائه في المعدة مدةً طويلةً طافيًا في أعلاها مثل الماء. فإن شرب منه قليلًا أسرعت إليه الحموضة، ومن كان مزاج بدنه مفرط الحرارة، فشرب الماء أوفق له من شرب الشراب، فإن احتاج إلى الشراب شرب منه ما كان رقيقًا معتدلًا فيه قبض. وما كان من الشراب الحلو صافيًا وكان لونه إلى الصفرة والحمرة الناصعة، ولَّد دمًا متوسطًا بين اللطيف والغليظ. وأما الغليظ الأسود فيملأ العروق دمًا غليظًا، والشراب الأبيض اللطيف يقطع الأخلاط الغليظة وينقي الدم ويخرج فضله في البول. والشراب الغليظ الحلو إذا خلط بشيءٍ من الأدوية المطلقة نفع أصحاب العِلل التي في الصدر والرئة إذا لم يكن فيه قبضٌ.
وقال أبقراط: إن الخمر الحديثة أغذى وأعون على تليين البطن من العتيق. والشراب العطري الطيِّب الرائحة أغذى وألطف وأنفذ مما لا رائحة له.
وأما دياسقوريدس فإنه قال: إن الشراب العتيق يضر بالعصب وسائر الحواس فينبغي أن يحذره من كان به شيءٌ في هذه الأعضاء، وأما الأصحاء، فإن شربوا منه المكسور بالماء لم يضرهم. وأما الحديث فنافخ عَسِرُ الانهضام يولّد أخلاطًا رديئة ويكثر البول. والمتوسط بين العتيق والحديث أفضل إذ لا مضرة فيه. وأما الشراب الأبيض الرقيق فإنه سريع الانهضام والنفوذ. وأما الشراب الأسود فإنه أبطأ انهضامًا ونفوذًا. وما يعرض منه في السُّكر أشد وغذاؤه أكثر ويزيد في اللحم. والأحمر الناصع متوسط بينهما. والشراب الحلو الغليط نافع للمعدة والأمعاء، مطلقٌ للبطن، وسكره أقلّ وهو نافع للكلى والمثانة. والشراب العَفِص يشُدُّ البطن ويدر البول ويصدِّعُ الرأس ويسكره. والشراب الذي فيه قبض هو معتدل سريعثالنفوذ مقوٍّ للمعدة مُهيج لشهوة الطعام صالح للغذاء، للغذاء، جالبٌ للنوم محلِّلٌ للنفخ ويحبس الاختلاف ويقطعُ العرقَ الذي يكون من ضعف القوة.
1 / 58