ظبيةٌ تسكن القِبابَ وترعى ... ثمر القلب لا أراكٍ وشيحِ
ومن غنائها وشعرها: قُم يا نديمي إلى الشمولِ قد نمتَ عن ليليَ الطويلِ
أما ترى النجم قد تولى ... وهم بهرامُ بالأُفولِ
من عاقر الراحَ أخرسته ... فلم يجب منطقَ السؤولِ
قال لي الهيثم بن عدي: قال: قال الشعبي: لما وَلِيَ بشرُ ابن مروان العراق، ولأني مظالمه. وبلغ حُنين بن بلوع المغنيّ وكان يسكن الحيرة: أن بشرًا يشرب الشراب، ويسمع الغناء، فأتى الكوفة، فذُكر له أن ابن مُحرز قَدِمَها، فتلطف له جتى دعاه فغناه ابن محرِز، فسمع شيئًا هاله وحيره - وَعَلِم أن بشرًا إن سمعه لم يُخل هو منه بطائل - فقال له: كم منَّتك نفسك من العراق، قال: ألف دينار، فقال: هذه خمسمائة دينار حاصلة، ونفقة سفرك عاديًا وباديًا ودع العراق لي وامضِ مصاحبًا حيث شئت، وكان ابن محرز صغير الهِمة لا يحب عِشرة الملوك فأخذها وانصرف، وقصد حنين بشرًا فلطفت منزلته عنده وخصَّ به وأجزل عطيته.
قال الشعبي: فاستأذنت على بشرٍ ذات عشيةٍ، فقال لي حاجبه، يا أبا عمرو، الأمير على حالٍ ما أظنك تصل إليه معها، فقلت: أعلمه وخلاك ذمٌ، فقد حدث أمرٌ لا بدَّ من إنهائه إليه، فاستأذنهفقال: يدخل، فدخلت، فإذا بشرٌ عليه غلالةٌ صفراءُ رقيقة، ومُلاءةٌ تقوم قيامًا من شدة الصقال، وعلى رأسه إكليل من ريحان قد فصِّل بوردٍ ونرجس، وعن يمينه عكرمة بن ربعي وعن يساره خالد بن عتاب بن ورقاء، وبين يديه حنينٌ بن بلوع وعوده في حجره، فسلمتُ، فرد السلام، ورحب وقرَّب، ثم قال: يا أبا عمرو، لو كان غيرك لم آذن له على هذه الحال. فقلت: أصلح الله الأمير، لك الستر لكلِّ ما رأيت، والشكرُ على ما أوليت، فقال: كذلك الظنُّ بك، ثم غنى حنين، فقلت له: شُدَّ الزيرِ وأَرخِ البَمَّ، ففعل وضرب فأجاد، فقال بشر لأصحاب: أُلامُ على أن آذن لهذا على كلّ حالٍ كنتُ فيها؟ ثم التفتَ إليَّ وقال: من أين لك علمُ هذا. قلتُ: كنا نسمعه في أعراسنا. فظننت أن الأمر كذلك أصلح. فقال: إنه كما ظننت، ولما أردتُ القيام، أمر لي بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب، فقمتُ مع الخادم حتى قبضتُ ذلك.
وكان آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز من الخلعاء المجَّان. روى مُصعب الزُّبيري قال: كان آدم بن عبد العزيز يدمِن شرب الخمر ويفرط في المجون، وكان أديبًا شاعرًا فأخذه المهدي وجلده ثلاثمائة سوط على أن يقر بالزندقة، فقال: والله ما أشركت بالهه طرفة عين قال: فأين قولك:
اسقني واسق خليلي ... في دجى الليل الطويل
قهوةً صهباء صرفًا ... سُبئت من نهر بيل
من ينل منها ثلاثًا ... ينس منهاج السبيل
ومتى ما نال خمسًا تركته كالقتيل
في لسان المرءِ منها ... مثل طعم الزنجبيل
عتقت حُولًا وحولًا ... بين كرمٍ ونخيلِ
ريحُها ينفح منها ساطِعًا من رأسِ ميلِ قل لمن يلحاك فيها من فقيه ونبيل
أنت دعها وارجُ أُخرى ... من رحيق السلسبيل
نعطش اليوم ونُسقى ... في غدٍ نعتَ الطلول
قال: وإن قلت ذلك فإني موحِّد، ولست بزنديقٍ أقول بلساني ما لا يعتقده جناني، فقال له: إذا عنَّ لك شيءٌ من هذا فاذكر سلَفَك، وخلي سبيله.
قال مُصعب: وقال بعضهم لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: إن بنيك يشربون الخمر، قال: صِفوهم لي، قال: فلانٌ إذا شرب خرَّق ثيابه وثياب نديمه، فقال: سوف يدع هذا شربها، قالوا: وفلان إذا شرب تقيأ في ثيابه وأفسدها، قال: وهذا سوف يدعها، قالوا: وأما آدم فإنه إذا شرب أسكر ما يكون، لا ينال أحدًا بسوء، قال: هذا لا يدعها أبدًا، فكان كما قال.
1 / 4