والذي يظهر من سيرة وكلام الإمام علي أنه يعتبر أمر الخلافة تابعا لمصلحة المسلمين، فقد تركها - مع أولويته - وتولاها - مع عدم رغبته فيها - حين كان في ذلك مصلحة المسلمين، أما الذي يشخص مصلحة المسلمين - عند الإمام علي - فهم أهل الحل والعقد، يدل على ذلك ما جاء عنه في (نهج البلاغة): من كتاب له إلى معاوية قال فيه: « إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى»(1). وهذا كما ترى كلام صريح في أن الأمر شورى لأهل الحل والعقد، يختارون من يرونه صالحا للقيام بأمر الأمة، فلو كانت الخلافة محصورة في نسب معين لما أطلق هذه العبارة.
فإي إجماع هذا الذي هو مجرد حدث مباغت وصفه أحد مهندسيه أنه كان فلتة وأنه لا يجوز العودة لمثله.
***
الحجة الثالثة: استقامة الأمور بالعصبية
يذكر بعض مشترطي ما يسمى بالمنصب دليلا عقليا على ما ذهبوا إليه، فزعموا أن الانقياد لمن يكون من أشرف السلالات أقرب من الانقياد لغيره، معتبرين أن قريش من أشرف السلالات وأزكاها، فاقتضى ذلك اعتبار هذا المنصب واشتراطه في الإمامة، وفي هذا قال ابن خلدون: « إذا بحثنا عن الحكمة في اشتراط النسب القرشي ومقصد الشارع منه، لم يقتصر فيه على التبرك بوصلة النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو في المشهور، وإن كانت تلك الوصلة موجودة والتبرك بها حاصلا ، لكن التبرك ليس من المقاصد الشرعية كما علمت، فلا بد إذن من المصلحة في اشتراط النسب، وهي المقصودة من مشروعيتها .
وإذا سبرنا وقسمنا لم نجدها إلا اعتبار العصبية، التي تكون بها الحماية والمطالبة، ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب، فتسكن إليه الملة وأهلها، وينتظم حبل الألفة فيها .
صفحة ٦١