فأبو بكر صار خليفة؛ لأنه كان أبرز القرشيين الحاضرين في السقيفة، وقد بويع لإنقاذ موقف؛ كما قدمنا من كلام عمر(1). ولم يذكر أبو بكر أنه استحق الخلافة بنص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل عرض على الأنصار بيعة عمر بن الخطاب أو أبي عبيدة بن الجراح؛ باعتبارهما الحاضران في السقيفة من قريش، وهذا يفسد ما يدعيه البعض من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرشح أبا بكر حين أمره أن يصلي بالناس أثناء مرضه، ويؤكد عدم دقة الاستدلال بما يخدم هذا الاتجاه من الروايات، مثلما روي مسلم عن عائشة أنها قالت: قال لي رسول الله في مرضه: «ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»(2). فلو علم أبو بكر أو عمر أو أبو عبيدة أو غيرهم أنه قد ورد في أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على خلافته لأعلنه على الملأ، وفصل به حالة البلبلة التي سادت يوم ذاك، ولما اضطر عمر أن يقول بعد ذلك: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها. ولما قال أبو بكر وهو على فراش الموت: «وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيمن هذا الأمر فلا ينازعه أهله»(3).
صفحة ٢٦