ثم لا تنفك من الدراسة لصناعتها منكبة عليها، تأخذ من المطارحين الذين طرحهم كله تجميش وإنشادهم مراودة. وهي مضطرة إلى ذلك في صناعتها؛ لأنها إن جفتها تفلتت، وإن أهملتها نقصت، وإن لم تستفد منها وقفت. وكل واقف فإلى نقصان أقرب. وإنما فرق بين أصحاب الصناعات وبين من لا يحسنها التزيد فيها، والمواظبة عليها. فهي لو أرادت الهدى لم تعرفه، ولو بغت الغفلة لم تقدر عليها، وإن ثبتت حجة أبي الهذيل فيما يجب على المتفكر زالت عنها خاصته؛ لأن فكرها وقلبها ولسانها وبدنها، مشاغيل بما هي فيه، وعلى حسب ما اجتمع عليها من ذلك في نفسها لمن يلي مجالستها عليه وعليها.
ومن فضائل الرجال منا أن الناس يقصدونه في رحله بالرغبة كما يقصد بها للخلفاء والعظماء، فيزار ولا يكلف الزيارة، ويوصل ولا يحمل على الصلة، ويهدى له ولا تقتضى منه الهدية، وتبيت العيون ساهرة والعيون ساجمة، والقلوب واجفة، والأكباد متصدعة، والأماني واقفة، على ما يحويه ملكه وتضمه يده، مما ليس في جميع ما يباع ويشترى، ويستفاد ويقتنى، بعد العقد النفيسة. فمن يبلغ شيئا من الثمن ما بلغت حبشية جارية عون، مائة ألف دينار وعشرون ألف دينار.
ويرسلون إلى بيت مالكها بصنوف الهدايا من الأطعمة والأشربة، فإذا جاءوا حصلوا على النظر وانصرفوا بالحسرة، ويجتني مولاها ثمرة ما غرسوا ويتملى به دونهم، ويكفي مؤونة جواريه.
صفحة ١٧٧