2
يستهل ابن رشد كتابه «فصل المقال» بقوله: إن الغرض منه هو أن يسأل عن «النظر في الفلسفة وعلوم المنطق» إن كان مباحا بالشرع أم محظورا. ولكي يجيب لنفسه عن سؤاله هذا، رأى أن يحدد «فعل الفلسفة» فقال عنه: «إنه ليس شيئا أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع بمعرفة صنعتها.»
3
ولما كان «اعتبار الموجودات بالعقل» قد جاء به الأمر في غير ما آية من كتاب الله، كقوله تعالى:
فاعتبروا يا أولي الألباب ، ثم لما كان «الاعتبار» - كما فهمه ابن رشد - «ليس شيئا أكثر من استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه، وهذا هو القياس، أو بالقياس.»
4
كان معنى ذلك هو أن استعمال القياس العقلي، أو قل إنه العقلي والشرعي معا، أمر واجب بحكم الشريعة نفسها؛ فهذه الشريعة لا تقتصر على أن تجيزه، بل هي توجبه.
وإنما يبلغ القياس أتم درجاته، فيما يسمى بالقياس البرهاني، فكيف تتم معرفة الإنسان لله تعالى معرفة برهانية عن طريق دراسة مخلوقاته، إلا إذا سبقتها دراسة تفصيلية لمنطق القياس بأنواعه وأجزائه وقواعده؟
فإذا تقرر أن دراسة هذا المنطق واجبة بحكم الشريعة نفسها، ما دام هذا المنطق هو من النظر بمنزلة الآلات من العمل، وجب علينا أن نستعين بما خلفه القدماء في هذا المجال؛ لأن رجال العلم في أي ميدان، لا يبدءون نظرهم العلمي من الصفر، وكأن أحدا لم يسبقهم إلى شيء منه، بل الحياة العلمية مستمرة، يأخذها عصر عن عصر ليضيف إلى ما أخذه، ثم يسلم الحاصل إلى العصر الذي يليه، فإن كان «غيرنا» قبل ملة الإسلام - هكذا قال ابن رشد - قد ترك شيئا، فيجب الأخذ عنه، «سواء أكان ذلك الغير مشاركا لنا أو غير مشارك في الملة.»
5
صفحة غير معروفة