ورغم تبسيط «لسنر» المسألة وتسطيحها، فإننا سنقف مع هذين الإلهين «إلوهيم» و«يهوه أو جاهوفاه» وقفة تفصيلية بعض الشيء:
والاسم «إلوهيم» هو جمع للاسم «إيل» أو «إل» الذي عرفناه عند الساميين في الرافدين والهلال الخصيب، وهو الإله الذي استمر وجوده في التوراة متواترا، طوال عصر الآباء البطاركة «إبراهيم» النبي، والممتد عبر أبنائه وأحفاده، حتى ظهور النبي «موسى»، ومع «موسى» يبدأ «يهوه» في الظهور، بعد أن التقى بموسى في «مديان» وهو هارب من مصر، بعد جريمة قتله المصري ظلما، حيث قال له: «ظهرت لإبراهيم واسحق ويعقوب بأني الإله القادر على كل شيء، وأما باسمي يهوه فلم أعرف عندهم» (خروج 36: 3).
وهنا قصد واضح من التوراة للتفرقة بين عهدين، عهد عبد فيه الإله باسم «إيل» طوال عصر الآباء الأول، ثم عصر جديد يبدأ موسى يظهر فيه الإله باسم «يهوه» وبما أن المفترض في سفر التكوين كقصة للخليقة، أن يكون أقدم بعصور وأزمنة بعيدة عن عهد موسى، ويعود إلى عصور موغلة في القدم، فإن «يهوه» يظهر فيه ليقوم بجزء من عملية الخلق، في عدة مواضع، مما حدا بالباحثين إلى الظن أن هذا السفر قد كتب بعد عهد موسى بزمان طويل، أما نحن فنرى في ذلك تأليفا بين قصتين للتكوين؛ إحداهما قصة عتيقة قام بها بدور البطولة مجموعة من الأبطال من الآلهة القديمة عبرت عنهم التوراة باسم الجمع «إلوهيم»، كل منها «إيل»، وهى الآلهة التي رافقت العهد الإبراهيمي في التوراة، وقصة أخرى أحدث، قام فيها بدور البطولة الإله «يهوه»، الإله الذي أرفقته التوراة بالعهد الموسوي وما بعده حتى اليوم.
وقد سبق وعلمنا أن «إل» كان اسما جلاليا منتشرا على نطاق واسع بين جميع الشعوب السامية، وعرفته القبائل السامية الضاربة على سواحل المتوسط الشرقية، ووصفته ملحمة البعل الأوغاريتية الفينيقية بأنه «إيل أبو السنين» و«خالق الخلائق»، «ثورايل»، «مقام إيل عند نبع النهرين»
2
وهي إشارات تدل على مستوى تطوري رفيع بلغه «إيل»، حيث تحول من إله فرد ضمن مجمع إلهي، إلى أب رفيع الشأن وإله للزمان «أبو السنين»، وتدل أيضا على مستوى رفيع من التجريد لدى هذه الشعوب، مما أدى به إلى التحول إلى رمز جلالي يطلق على أي معبود، ومن إله بذاته إلى اسم مجرد يعني الإله أو الله، مما انتهى بالباحثين إلى اعتبار «إل» علما إلهيا عرف في كل العبادات السامية بلا استثناء.
3
خاصة بعد أن تأكد لدى الباحثين في آثاريات جزيرة العرب أن «إل» كان معبودا معروفا قديما ومنتشرا في كل بقاعها.
4
ورغم أن «موسكاتي» يرى أنه كان شخصية إلهية غامضة
صفحة غير معروفة