ثم حملته روحه القوية إلى فرنسا ليتم تعليمه بها، وحصل هناك في سنة على ما لم يحصله غيره في سنوات، واتصل بالصحف والكتاب، وبدأ يكتب في الدفاع عن حق مصر وحريتها واستقلالها، ويهاجم المحتلين الإنجليز، وظل حياته كلها مجاهدا يتنقل بين مصر وبلدان أوروبا خطيبا وكاتبا، منددا بأعمال المحتلين ومناديا بالجلاء، وبحق مصر في الاستقلال، ينشئ الصحف باللغة العربية وباللغتين الإنجليزية والفرنسية، ويدبج المقالات، ويعقد الاجتماعات، ويثير الشعور، ويبعث النفوس، يهدف بهذا كله إلى إعادة الروح إلى هذا الشعب المجيد.
وكانت ضربته القوية هي التي وجهها إلى إنجلترا بعد حادثة دنشواي البربرية، فألب الدول جميعا على إنجلترا إلى أن اضطرت اضطرارا إلى سحب عميدها الخطير صاحب الكلمة الأولى في مصر وقتذاك وهو «لورد كرومر».
وقبيل وفاته أسس الحزب الوطني، وألقى خطبة الوداع، وكل كلمة فيها آية من آيات الوطنية.
وتولى زعامة الحركة بعده بطل الفداء والتضحية محمد فريد، فسار على نهج الزعيم الأول، وضحى في سبيل الحركة بكل ما يملك من مال، بل بصحته وحياته، فمات في أوروبا عليلا غريبا عن الوطن الذي يحبه ويتفانى في خدمته.
وكانت ثورة سنة 1919 الثمرة الحقيقية لحركة مصطفى كامل، وأذقنا في خلالها المستعمرين ألوان العذاب والمقاومة، وحمل لواء النضال سعد زغلول، وقاد المصريين خطوات في طريق الحرية إلى أن انحرفت إنجلترا بمصر عن الطريق القويم ودخلت بها في متاهة المفاوضات، إلى أن كانت معاهدة 1936 التي سميت يوما من الأيام بمعاهدة الشرف والاستقلال.
ثم تطورت الأحوال من سيئ إلى أسوأ حتى ران اليأس على نفوس الكثيرين، وحسب بعض الغافلين أن لا أمل في يقظة أو إصلاح، ولكن الحيوية الدافقة والوطنية المستكنة في هذا الشعب الخالد لم تلبث أن انفجرت في يوليو سنة 1952 في شكل ثورة تعود بالوطنية المصرية إلى أصولها الحقيقية.
ثورة سنة 1952
وقد فهمت ثورة 1952 التاريخ المصري الحديث فهما صحيحا، فقدرت أن المحتل لا بد له من عمد يرتكز إليها لترسخ في البلاد أقدامه، هذه العمد تتمثل في الجالس على العرش يضحي بكل شيء في سبيل متعته وفي سبيل الإبقاء على هذا العرش وسلطانه، وتتمثل في جماعة من نهازي الفرص لا هم لهم إلا الغنى والاستزادة من الثروة بأي سبيل، حتى ولو تعارض هذا السبيل مع مصلحة الشعب والبلد، بل ولو تعارض هذا السبيل مع المبادئ والمثل والشرف.
فكانت خطة الثورة خطة حكيمة، تتلخص في التخلص من هذا الجالس على العرش، العابث بشرف الوطن، والتخلص من هؤلاء الإقطاعيين النهازين، لتعود للشعب إنسانيته، وللوطن كرامته.
أما الهدف الثاني للثورة فهو وضع سياسة إنتاجية إصلاحية عامة تعمل لرفع مستوى الشعب اقتصاديا وثقافيا وصحيا.
صفحة غير معروفة