وفي أثناء القتال تطوع كثير من الرجال والنساء في خدمة المجاهدين ومساعدتهم في تقديم الذخائر الحربية وإعطائهم الماء وحمل الجرحى وتضميد جروحهم ونقلهم إلى المستشفيات.
وقال محمود باشا فهمي في كتاب البحر الزاخر:
ورأيت في ذلك الوقت بعيني ما حصل من غيرة الأهالي بجهة رأس التين وأم كبيبة وطوابي باب العرب، وهمتهم في مساعدة عساكر الطوبجية، من جلبهم المهمات والذخائر وخراطيش البارود والمقذوفات، هم ونساؤهم وأولادهم وبناتهم، والبعض من الأهالي صار يعمر المدافع ويضربها على الأسطول.
هذا ما كان يعمله الأهلون والصبية والنساء، فماذا فعل توفيق؟ وأين كان؟
لقد كان توفيق يقيم أثناء الضرب في سراي مصطفى باشا بالرمل، ويقيم معه بعض الأجانب وبعض الأمراء ونفر من الخائنين من أمثال سلطان باشا، فلما انتهى الضرب أرسل إلى «سيمور» يستأذنه في الانتقال إلى سراي رأس التين فسمح له، ومنذ تلك اللحظة انضم توفيق إلى الإنجليز انضماما سافرا.
ولن أطيل في ذكر تفاصيل الحوادث التالية، فقد قاوم العرابيون في البحيرة ثم في الشرقية، ولكن النتيجة الحتمية كانت معروفة منذ وطئت أقدام الإنجليز أرض الإسكندرية.
بدأ الاحتلال الإنجليزي إذن في اليوم الحادي عشر من شهر يوليو سنة 1882، وأعلن الإنجليز منذ اللحظة الأولى، أنهم لن يبقوا في مصر طويلا، وأنهم إنما جاءوا لينصفوا الخديو ويحموه من الثائرين، وأنهم بعد قليل سيرحلون، وتكررت تصريحاتهم ووعودهم في هذا المعنى، ولكن المصريين لم يخدعوا بهذه الفرية أو بهذه الوعود، ولم يعترفوا بهذا الاحتلال لحظة واحدة، بل ركزوا جهودهم لمقاومة البريطانيين والعمل على طردهم.
ولقد حاكم الإنجليز عرابي وصحبه ونفوهم خارج مصر، وسرحوا الجيش ليقلموا أظفار البلد، وتعاون الحكام والإقطاعيون مع المحتلين على إسكات كل صوت، وإضعاف كل قوة، وإذلال كل عزيز.
جهاد طويل في سبيل الحرية
ولكن هل يستكين هذا الشعب الأبي لهذا الظلم وهذا المستعمر الغاصب؟ كلا؛ فالشعب المصري كما عرفناه دائما شعب دافق الحيوية، موفور الوطنية، قد يحني الرأس أمام العاصفة، ولكنه لا يستكين ولا يلين، فلم تلبث الدعوة الوطنية أن انبثقت بعد سنوات قليلة، وعلى لسان شاب يافع صغير السن، أعزل من كل سلاح مادي، ولكنه كان يناضل بروحه وقلبه ولسانه وقلمه، هذا هو الزعيم الوطني الكبير مصطفى كامل، كان منذ أيام دراسته يرى ويتألم، ويفكر ويعمل ويكتب، لقد أنشأ وهو بعد تلميذ مجلة «المدرسة» وجعل شعارها: «حبك مدرستك، حبك أهلك ووطنك»، وكم كانت له من مواقف وهو في عهد التلمذة للدفاع عن الحق ورفع الظلم.
صفحة غير معروفة