ولد في مدينة «أوستا»
Aosta
من أعمال لمبارديا سنة 1033م، ومات سنة 1109م، وقد بلغ من نباهة الذكر، وبعد الصيت أن أصبح يعرف بين معاصريه باسم أوغسطين الثاني، وكان في حياته مثلا أعلى للرجل المدرسي يتخذه الناس نموذجا يحتذى. أما فلسفته فقد استهلها بأن زعم أن العقل والعقيدة ليسا نقيضين، وأنه لا بد للعقل أن يستنير بضوء العقيدة؛ لأن العقل ضعيف بنفسه، كثير الزلل. ومعنى ذلك أن أنسلم يريد أن يستعين بقوة العقيدة على فهم حقائق الكون فهما عقليا، وبذلك وضع قاعدة أخرى بجانب قاعدة كانت قد شاعت بين الناس حتى رسخت في العقل رسوخا قويا، كان الناس يقولون: «إنني أعتقد؛ لأن الفهم محال.» اعترافا منهم بقصور العقل، واستحالة فهمه لحقائق الأشياء، أما أنسلم فقال: «إنني أعتقد؛ لكي أستطيع أن أفهم.» أي إنه يعتنق العقائد؛ لكي تكون وسيلة تنتهي به إلى الفهم. (3-3) البرهان على وجود الله
ثم ينتقل أنسلم للبرهنة على وجود الله برهانا عقليا ليزيد الأمر يقينا، وهذه خلاصة برهانه: إن الناس مجمعون على تعريف الله بأنه أكبر كائن يمكن أن يتصوره العقل، فإذا تصور العقل الله تصوره كاملا، وهذا الشيء الكامل الموجود في الذهن يجب أن يكون موجودا خارج العقل وجودا فعليا حقيقيا؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما كان أعظم من أي كائن آخر يفكر فيه العقل، ولا شك أن هذا العظيم الذي نتصوره بعقولنا يكون أكمل في حالة وجوده وجودا حقيقيا منه في حالة اقتصاره على أن يكون مجرد فكرة في الذهن، فإذا كانت عقولنا تأبى إلا أن تتصوره في أكمل حال، فقد تحتم بناء عليه أن نسلم بوجود الله. وقد عارضه جونيلو
Gaunilo
الراهب بقوله: إنه إذن على برهان «أنسلم» يمكن الإنسان أن يقيم الدليل على وجود أي شيء يتصوره العقل كاملا إذا كان كمال الصورة الذهنية علامة مؤكدة لوجودها في الخارج، فإن تصورت مثلا جزيرة كاملة وجب أن تكون موجودة وجودا حقيقيا، وإلا كانت أقل كمالا من أية جزيرة أخرى حقيقية. وكان في وسع أنسلم أن يرد على معارضه بقوله إن فكرة الجزيرة الكاملة ليست ضرورة فكرية تفرض نفسها على الذهن فرضا واجبا كما هي الحال في فكرة الإله الكامل، ولكنه دار في رده على جونيلو حول أقواله بعينها يرددها، فلا يضيف إليها جديدا مكررا أن وجود فكرة الكائن الكامل في العقل تقتضي وجوده في العالم الحقيقي الواقع.
ويرد بعض النقاد على «أنسلم» بأنه قد برهن فقط على أنه إذا تصور الإنسان الله كاملا كمالا مطلقا لزم أن يكون الله موجودا حقيقة؛ لأن عدم وجوده نقص في الكمال، ولكن «أنسلم» لم يبرهن على أن العقل مضطر إلى تصور هذه الفكرة الكاملة اضطرارا.
ثم استطرد «أنسلم» فتصدى للإجابة على أعوص المسائل وأشدها تعقدا في النصرانية وهي: لماذا صار الله إنسانا في شخص المسيح؟ وجوابه الذي تقدم به هو أن تجسد الله في الإنسان لم يكن عنه محيص؛ لأن خطيئة الإنسان التي اقترفها في حق الله معتديا بها على جلاله وعظمته قد بلغت من الفداحة حدا عجز معه الإنسان أن يكفر عنها بنفسه، فشاءت رحمة الله أن تغفر لهذا الإنسان الخاطئ العاجز، فتجسد في إنسان هو المسيح، وكفر عن ذنبه ليكون التكفير منه عظيما يتناسب مع فداحة الخطيئة الأولى. (3) وجاء بعد وليم شامبو
William Champeaux
فأيد المذهب الواقعي، ودفع به إلى أقصى حدود الغلو والتطرف، إذ ارتأى أن الكلي (كشجرة ورجل وذهب) يتمتع بكل ما تحمله كلمة الوجود من معنى، فهو شيء واقعي له وجود خارجي، وهذا الكلي موجود بأكمله من غير انقسام ولا تجزئة في الأفراد. والنتيجة المحتومة لهذا القول هي أن أفراد الإنسان كزيد وعمرو ليست إلا أغراضا لذلك «الإنسان» الكلي، وهي إذن متشابهة وليس ما بينها من أوجه الخلاف إلا في الصفات الثانوية. (4) ذلك هو شامبو الذي كان أستاذ باريس في عصره، والذي رن صداه في المدارس الأوروبية جميعا، ولكن شاءت الأيام أن يندحر ويخبو ضوءه على يد تلميذ من تلاميذه، وأعني به بطرس أبيلارد
صفحة غير معروفة