ومن أجمل القصص الشعرية التي وردت في «ماها بهاراتا» قصة «نالا» و«دامايانتي»
35
وهي ضرب من شعر الرعاة، ويشبهها بعض النقاد ب «أناشيد الرعاة» للشاعر الروماني «فرجيل». وخلاصة القصة أن «نالا» ملك ساء طالعه يوما فقامر بملكه وكان من الخاسرين، وأخذ «نالا» وزوجته يضربان في غابة، حتى شاء لهما الحظ العاثر أن يفترقا فيضل كلاهما عن زميله، ومرت بالملكة «دامايانتي» قافلة تحمل المتاجر فعطفوا عليها، وعرضوا أن يحملوها إلى مدينة قريبة، وجلسوا يستريحون في مكان جميل، حيث:
مجرى الماء ينساب هادئا بغير موج،
وفي حواشيه الغاب منتثر.
ووقف الطير ألوانا يغني،
وتزاحم اليمام، وسبحت الأسماك وتلوت الأفاعي،
وازدانت حافة الماء بالزهر والشجر،
ورنت في الهواء أغاريد الطيور الصادحة.
في هذا المكان جلس أصحاب القافلة يستريحون، وإذا بقطيع من الفيلة يفجؤهم من حيث لا يعلمون، فتسقط «دامايانتي» مغشيا عليها، ثم تفيق وقد زال الخطر، ولكن وا أسفاه، قد ارتحلت القافلة وخلفتها وحيدة كما كانت، فأخذت المرأة المسكينة تمشي بقدمين داميتين وشعر أشعث، تضل في متاهة الغابة حينا، وتهتدي إلى الطريق السوي حينا آخر؛ حتى ذهل عقلها، وأنهك جسدها، وأصبح الموت لها أمنية ترتجى، وأخذتها سنة من النوم، فلما استيقظت واصلت سيرها، فرن في مسمعها خرير ماء دافق، فأسرعت نحوه، وإذا بها، وا فرحتاه! تجد عند جدول الماء مخرجا من الغابة، وامتدت أمام بصرها الحقول اليانعة، وشهدت هنالك في الأفق - حيث الشمس الغاربة ترسل ضوءها الخافت - عمودا من الدخان يتلوى صاعدا، فأخذت سمتها نحو المدينة. وبينا هي في طريقها إليها إذا بالملكة في عربتها ماضية إلى نزهتها، فاستوقف نظرها هذه المرأة التي ينم وجهها عن جلالها على الرغم من أسمال ثيابها، فأمرت بركوبها، وأعجبت بحديثها، فاحتفظت بها وصيفة في قصرها . وليس هذا القصر الذي انتهى إليه مطافها سوى قصر ابن خالتها. ولما علمت الملكة أن وصيفتها هي الأميرة «دامايانتي» أقبلت عليها تضمها في لهفة، وتقبلها وعيناها تدمعان إشفاقا وسرورا. ثم أرسلتها إلى أبيها - وهو أحد الملوك - في حاشية تليق بمكانتها، وحملتها من ثمين الهدايا ما هو خليق بها.
صفحة غير معروفة