33
في ثياب عرسها، وحول ذراعها طوق من الزهر، وجاء إلى الحلبة عدد من أشداء الجند يحملون قوسا ضخمة ثقيلة أعدت للمتنافسين، وعجز الفرسان واحدا بعد واحد عن حملها والرمي بها، وعندئذ برز من الجمع المحتشد شاب في ثياب البراهمة وحمل القوس ورمى بسهمه فإذا به يصيب الهدف في الصميم، فنزعت الأميرة طوق الزهر عن ذراعها، وطوقت به عنق الظافر إعلانا لزواجها منه. وكان سائر الخاطبين من طبقة المحاربين
34
فسرت بينهم موجة من الحزن الكئيب، وتهامسوا مستنكرين أن تؤثر الأميرة كاهنا على الفرسان الأشراف. وكان بين طبقتي الكهنة والأشراف عداوة شديدة، فلم يسع الأمير «أرجون» إلا أن ينزع عنه ثياب الكاهن ليبدو بين الجمع على حقيقته أميرا نبيلا.
هكذا عاد نجم «أمراء بندافا» إلى السعود حين تزوج أحدهم من ابنة الملك دروبادا، فكان لهم من هذا الملك حليف قوي، أيدهم في المطالبة بحقهم في أرض بهاراتا التي كان لا يزال على عرشها «ذريتارشترا» - الملك الضرير - فأجابهم هذا الملك إلى طلبهم، ونزل لهم عن النصف الغربي من مملكته، وكانت يبابا بلقعا، وترك لأبنائه «أمراء كورافا» النصف الشرقي الخصيب. لكن «أمراء بندافا» أخذوا يوسعون من ملكهم ويشيدون فيه المدن - ومنها مدينة دلهي - حتى أثاروا بنجاحهم كامن الحقد والغيرة في نفس «در يوزان» الذي سيئول إليه ملك أبيه الضرير؛ فأدار في ذهنه مكيدة نكراء، ودعا أبناء عمه الخمسة إلى حفل بهيج يقيمه في قصره، وهنالك أخذ يلاعب أكبر الإخوة فيقامر هذا في اللعب على ما يملك من ذهب وفضة وعجلات وفيلة، فلا يخرج من أشواط اللعب إلا خاسرا، ولا تزيده الخسارة إلا حماسة في مواصلة اللعب حتى يخرج صفر اليدين، وانتقل كل ملكه إلى ملاعبه ومنافسه الذي قمره بخدعته لا بمهارته .
بهذا تشرد الإخوة من جديد، واشترط عليهم أن يهيموا على وجوههم اثني عشر عاما، ثم يستقروا في إحدى المدن عاما آخر، فإن عجز أمراء كورافا أن يجدوهم طوال هذه السنين، أعيد لهم ملكهم الضائع. وقصد الإخوة إلى حيث الغابات البعيدة، وكان معهم الأميرة درو بادي؛ زوجة أرجون - أحد الإخوة الخمسة - لكنها لم تعد في مفاخر ثيابها كعهدنا بها، بل كانت مهلهلة الثياب حافية القدمين.
ولقد رويت القصص عما لقيه الإخوة الخمسة من ضروب العناء والضيق في حياة الغابة، وجمعت في كتاب اسمه «كتاب الغابة»، وفيه من القصص أروعها ومن الأمثال أحكمها؛ ولذا فهو من أجمل أجزاء قصيدة «ماها بهاراتا» التي نروي لك خلاصتها.
ولما انقضى على الإخوة في نفيهم الأمد المضروب، جاءوا إلى إحدى المدن في هيئة زرية، فارتدي أحدهم ثوب الرعاة، واستخدم ثان في مطبخ القصر الملكي، وعمل ثالث في اسطبلات الملك، والتحقت درو بادي بحاشية الملكة وصيفة لها. ومضى من العام الثالث عشر عشرة أشهر، وابتهج الإخوة أن قد دنا موعد الفكاك من هذا النفي والتشريد. ولكن حدث أن رأى قائد الجيش درو بادي فأحبها، فلما صدت عنه وأعيته الحيل في اجتذابها، أساء إليها القائد، فثارت من أحد الإخوة ثورة الغضب وقتل ذلك القائد الصفيق.
وكانت عيون «در يوزان» عندئذ تتطلع في كل أرجاء الهند بحثا عن هؤلاء الإخوة، ولكنها عادت لا لتنبئ مولاها بموضع الإخوة، بل بنبأ اضطراب وقع في «ماتسيا» - وهو البلد الذي كان يقيم فيه الإخوة - فانتهز أمراء كورافا هذه الفرصة السانحة ليضموا ماتسيا إلى ملكهم؛ فخرج جيش ماتسيا ليلاقي العدو المغير، وكان على رأسه أمير صغير لم يمارس الحروب، وكان يقود عربته «أرجون» - أحد الإخوة، وهو من ذكرنا قصة زواجه بالأميرة درو بادي - فلم يكد الأمير الصغير يرى العدو مقبلا حتى سقط مغشيا عليه، فوثب «أرجون» صائحا: «أنا أرجون.» وهجم في وجه العدو هجمة ارتعدت لها فرائصهم، ودب الاضطراب في صفوفهم، ففروا في هرج كأنما هم قطيع من الغنم يعدو من الفزع إذ سمع زئير الليث .
وانقضى العام الثالث عشر، وطالب الإخوة بملكهم، ولكن «در يوزان» أخذ يراوغهم متعللا بأن «أرجون» قد كشف عن نفسه قبل أن ينقضي العام، ودارت بين الفريقين حرب كان النصر فيها حليف الإخوة الخمسة - أمراء باندافا - وسقط فيها در يوزان صريعا. •••
صفحة غير معروفة