وخرج لابوشنيانو من الكنيسة، وهو يدعو النبلاء إلى الوليمة التي أعدها لهم، ثم امتطى حصانه واتجه نحو القصر وانفض الجميع.
وقال أحد النبيلين اللذين لم يمنحا الغفران للأمير إسكندر: ما رأيك؟
وأجاب الآخر: رأيي ألا نذهب إلى هناك.
ثم اختفى الاثنان في الجمع، وكان سبانيوك وسنرويكي.
كانت استعدادات ضخمة قد اتخذت في القصر لهذه الوليمة، وكان قد ذاع أن الأمير قد تصالح مع النبلاء، وكان النبلاء قد تلقوا في غبطة هذا الحدث؛ لأنه سيمكنهم من الحصول على مناصب جديدة، ومن جمع ثروات جديدة بنهب الفلاحين، وأما الشعب فلم يكترث لهذه المصالحة، فهو لم يكن يأمل منها نفعا ولا ضررا ... وكان الشعب يقبل إسكندر حاكما، بينما كان يزمجر ضد موتزوك، ذلك الوزير الذي لم يكن يستخدم نفوذه عند الأمير إلا في اضطهاد، كلما رفع التظلمات التي يشكو منها من نهب موتزوك، وكان لابوشنيانو لا يرد عليها، أو لا يلقي إليها بالا.
وباقتراب موعد الوليمة أخذ النبلاء يصلون كل على جواده، مصحوبا باثنين أو ثلاثة من الخدم، ولاحظوا أن صحن القصر كان مليئا بالجنود المرتزقة المسلحين، وأن أربعة مدافع كانت مصوبة نحو المدخل، ولكنهم ظنوا أنها وضعت هناك لإطلاقها - كما جرت العادة - احتفالا بتلك المناسبة المبهجة، وإذا كان البعض قد خشي أن تكون هناك مكيدة، فإنهم بعد دخولهم لم يستطيعوا الارتداد؛ وذلك لأن الأبواب كانت محروسة، وكان الحراس قد تلقوا الأوامر بألا يسمحوا لأحد بالخروج.
وما إن تجمع النبلاء - وعددهم سبعة وأربعون نبيلا - حتى جلس لابوشنيانو على رأس المائدة، وعن يمينه بتروتوزان رئيس الديوان، وعن يساره الوزير مع موتوزك ونفخ في البوق؛ فأخذت أطباق الطعام تصل.
وفي ذلك الوقت لم يكن ذوق الطعام مرفها في ملدافيا، فحتى في أكبر الولائم، كانوا يقتصرون على قليل من الألوان، فكان هناك الحساء البولوني، ثم أطباق يونانية بالخضر الطافية في الزيت، والأرز التركي، وأخيرا أنواع مختلفة من اللحوم المحمرة، وكانت المفارش والفوط من نسيج رقيق ينسج في البيوت، وكانت الصواني التي يحمل عليها الطعام، والأطباق والكئوس كلها من الفضة، وعلى طول الجدار كانت تصف الدنان الكبيرة المنبعجة، مليئة بنبيذ أودوبستي وكتناري، وخلف كل نبيل وقف خادم يسكب له الشراب، وكان جميع هؤلاء الخدم مسلحين.
وفي صحن القصر إلى جوار بقرتين كبيرتين أو أربعة كباش محمرة كانت هناك ثلاثة براميل نبيذ مفتوحة، وكان الخدم يشربون ويأكلون كما يشرب ويأكل النبلاء، وكانت جميع الرءوس قد أخذت تدب فيها الحميا، وقد أخذ النبيذ يعمل عمله، فالنبلاء يقدحون كئوسهم في جلبة، ويشربون على صحة الأمير، والجند المرتزقة يجاوبونهم بصيحات مرحة وطلقات المدفع تزأر.
واقتربت الوليمة من نهايتها عندما رفع فيفرتسا رأسه، وهو يقول: «إنني أرجو لك حياة طويلة يا سيدي! فلتحكم في سلام في هذه البلاد، وليثبك الله فيك برحمته، نيتك الطيبة في ألا تهلك النبلاء بعد الآن، وألا تظلم الشعب ...»
صفحة غير معروفة