فقال في نفسه: «افعل ما تشاء فإنك لن تقدر على الدخول». فقد كان موقنا بأنه قد أقفل الباب وأزلجه أيضا قبل أن يذهب إلى فراشه، وكان يعنى بهذا العمل كل ليلة لاعتقاده الإهمال في السكان الفلاحين الذين تحته، ولكنه سمع الآن هذا الغريب يمشي في الليل في الغرفة الكبرى، فإن خيوط البساط الذي يصنعه كانت منتشرة وممدودة في كل مكان.
وقال الضابط في نفسه: «هذا الوغد سيمشي الآن في وسط خيوط النسيج، ويشتبك فيها فتلتبس فلا أعرف كيف أخلصها في الصباح».
قال هذا وهم بالقيام يريد طرده وإخراجه، ولكنه سمع هذا الغريب يمشي نحو غرفة نومه كأنه جندي في عرض، وكأن خيوط النسيج لم تمسه فنظر الملازم إلى الباب فوجده مزلجا، فقال في نفسه: «ولكنك الآن لن تعرف كيف تدخل».
وآخذ يلعن ويشتم ولكنه سكت فجأة؛ إذ رأى الباب قد فتح ثم أغلق باصطفاق، كأن الريح قد دفعته.
فنهض الضابط برنكرتز في فراشه قاعدا، وقال بلهجة عالية اهتزت لها الحيطان: «فيردا» من أنت؟
فضم الغريب قدميه فحيا الملازم تحية الجندي، وقعقع أسلحته وقال: «أنا الموت».
وكان الصوت الذي خرجت به هذه الكلمات غير عادي ؛ إذ لم يكن صوتا إنسانيا ولكنه لم يكن ذلك مرعبا، وشعر الضابط كأن الصوت قد خرج من آلة موسيقية كالأرغن، ولكن نغمته كانت حلوة مطربة حتى أحس كأنه في اشتياق لرؤية تلك البلاد التي جاء منها هذا الصوت الجميل.
فقال الضابط: «أسرع وانته من عملك». ثم شق قميصه واستعد لأن يطعن في قلبه.
ولكن الغريب الواقف أمامه لم يوافقه على ذلك بل قال: سأرجع قبل منتصف الليلة الآتية، ثم عاد وقع الأقدام وقعقعة الأسلحة عندما خرج الغريب، واصطفقت الأبواب بالثاني وردت المزاليج إلى مكانها.
وتهافت الملازم وقد ملكه الرعب في فراشه، فرقد ينصت لوقع الأقدام وهي تبعد وتخفت، وما هو أن خرج الغريب من المنزل وصار في الصحن الخارجي حيث الضوء أكثر نورا حتى هرع الضابط إلى النافذة لكي يلمح وجهه، ولكنه مع قدرته على رؤية شوارع القرية لم ير أحدا يسير فيها، وكان مع ذلك يسمع وقع أقدامه ويكاد يحدد المكان الآتي منه، ولكنه لم يكن يرى مع ذلك شيئا.
صفحة غير معروفة