ولست أدري ما الذي دار بين أبوي من حديث، بعد الذي أفضيت به إلى أمي. ولست أدري كذلك ما الذي فعله خال أختي من تلقاء نفسه، أو بمشورة من أمي. ولكن الذي أدريه أني دعيت بعد أيام من ذلك للذهاب إلى بيت خالي أنا، وأني كلفت حين أسأل عمن أوكل في عقد قراني أن أقول إني وكلت أبي. وكذلك فعلت، وقبلتني أمي بعد سويعة من هذا التوكيل، وأخبرتني أن ما حدث سر لا يجوز لي أن أبوح به لأحد؛ لأن أبي وعد أختي ألا يعقد قراني على خالها! •••
وكانت أختي إذ ذاك طريحة الفراش، اشتدت بها العلة، ولم يكن الأطباء الذين يعودونها يبدون الكثير من التفاؤل بشفائها.
كيف عقد أبي قراني على خال أختي وقد وعدها ألا يفعل؟
أخبرتني أمي من بعد أن هذا الخال العزيز ذهب إلى أبي، وأقسم له أغلظ الأيمان إنه إن لم يتزوجني تزوج امرأة من طبقات الشعب الدنيا، فورث أبناؤها الوقف، وحرمت أسرتنا كلها منه. أو انتظر حتى أبلغ رشدي، وعقد قراني به على كره من أبي!
وخشي أبي أن ينفذ الشاب تهديده الأول، فيخرج الوقف من يده بأن يعزله خال أختي من إدارته، وأن تحرم زوج أبي، ويحرم أبي، مما ينالانه من هذا الإيراد الوفير. ونزل أبي على إرادة الخال العزيز، على شريطة ألا تعلم امرأة أبي، أو تعلم ابنتها، بما يتم من ذلك، خوفا على حياة هذه الابنة العزيزة المريضة!
وتوالت الأيام، وازدادت علة أختي تبريحا بها. وإنها لفي الأيام الأخيرة من علتها، إذ سمعتها تقول لأبيها: لقد وعدتني ألا يتزوج خالي أختي.
وأجابها: «نعم يا حبيبتي، ولن يكون ذلك!»
ولم أحفل بما سمعت وقد عقد قراني ... وبعد أسبوع توفيت أختي، فحزنا كلنا، لجمالها وشبابها ورقتها وظرفها، وقد ووري ذلك كله التراب!
وبعد أربعين يوما من وفاتها، لاحظت أن أبي كان كلما رآني تبدو عليه سيما التفكير العميق، وأنه كلما خلا إلى أمي، دار بينهما حديث لا يخلو من حدة ... وسبب ذلك فيما أخبرتني به أمي، أنه كان يعتبر الكلمات الأخيرة التي قالتها أختي عن زواجي من خالها، والوعد الذي قطعه لها بأن ذلك لن يكون، وصية مقدسة لا بد من نفاذها. وأنه كان يفكر في عقد قراني، وفي ضرورة التخلص منه بتطليقي من حبيبي.
وعبثا حاولت أمي أن تقنعه بأن ما يريد من ذلك لا يمليه عقل ولا منطق، فالحي أولى من الميت، وليست له ولا لأحد فائدة من تنفيذ ما يسميه وصية المتوفاة، على كره مني، وممن عقد عليه زواجي. فقد أصر على أنه وعد ابنته ساعة انتقالها إلى العالم الآخر، وعدا لن يستريح ضميره إلا إذا نفذه!
صفحة غير معروفة