ولقد استيقنت «كليوبطرا» من أنها غزت العاهل الأعظم، وأنه أصبح مقودا إلى أن يفعل ما تريد، فساورتها هزة أفعمتها لذاذة، وحدثها القلب حديث الهس الخفي: «عما قريب سأكون ملكة».
لما علم بطلميوس الثاني عشر، أن أخته التي اعتقد أنه تملص منها قد هبطت الإسكندرية، وأن «قيصر» قد أقسم ليردنها إلى العرش، أخذته نوبة من تلك النوبات التي تساور الحمقى المنحدرين من سلالة دب فيها الفساد، وتمشى فيها الانحلال، شأن البطالمة في أخريات أيامهم، وصاح من أعماق نفسه «يا للخائنة!» وركل زهرية من «المورا»
7
الثمينة رائعة الجمال، فحطمها وتطايرت شظاياها. «لقد تحايلت علي! إن القرار الذي اجترأت على إعلانه، خيانة ملعونة.»
وما لبث أن عهد إلى «أخيلاس» بقيادة الجند، وأعمل السيف، فقتل الحرس الروماني.
كان هذا الحادث نذيرا بحرب سوف تندلع ألسنتها، وكان من الظاهر أن «قيصر» تناصره كل قوى الجمهورية الرومانية سوف ينتصر في النهاية، غير أن هبوب رياح التمرد والثورة، ولم يكن جنده مدربا على معالجتها، قد أحدث أول الأمر حالة، من الصعب الاضطلاع بملابساتها. •••
ليس من الرشد في شيء أن يشتبك جند «قيصر» في مناوشات تقع في شوارع الإسكندرية وساحاتها، وفي ظروف غير مواتية، من غير أن يفكر في موقفه هذا، وكان الرشد في أن يتحصن وجنده خلف أسوار قصر «البروخيوم»، فإن هذا القصر بأسواره المنيعة، وجدرانه القوية، وقبابه الشمم، صالح لأن يتخذ عند الضرورة قلعة يلوذ بها الحرس الروماني مدافعا، حتى تصل جنود «قيصر»، فتنقلب الآية.
أما أن تسجن «كليوبطرا» مع الرجل الذي كانت تحيك من حوله شبكتها لتأسره وتستعبده، بل لتسلب منه كل قوة على التفكير في هم من هموم الدنيا، اللهم إلا مصالحها وذاتها، فذلك غاية ما تشتهي، ونهاية ما يتجه إليه خيالها، وتسبح فيه أحلامها.
كان قصر «البروخيوم» من الآثار التي خلفها الإسكندر، ثم زاد إليه أخلافه، وكانوا، كما كان الفراعين من قبل، ذوي شهوة للبناء والتشييد، ولكن بفن أعلى، وذوق أرفع وأنعم.
وقد تربع ذلك القصر من فوق ربوة عالية تشرف على سلسلة من التلال تنحدر هابطة تحت قدميه الواحد تلو الآخر، حتى تغيب في البحر، فكان من فوق ذلك الكرسي العظيم، بقبابه وأروقته وأجنحته الضخام، أشبه بمدينة يناجيها الماء، وتغازلها السماء.
صفحة غير معروفة