وإنك ولا شك تعجب، إذا حاولت أن تكشف عما انطبع في نفسها من الأحاسيس والانفعالات، لو أنك قرنتها بمثيلاتها من الفتيات، فقد نشأت في بلاط قضى فيه الفسق والفجور، على الشرف والعفة، وهي بعد ابنة «بطلميوس الحادي عشر»، الملقب أوتيلس
Auteles
ذلك الملك الهاوي الخليع المولع بالفنون الجميلة، الذي إن دلك شيء على حقيقة خلقه، فليس أدل عليه، من أنه واجه زمجرة الثورة في داخل بلاده، وخطر غزوها من الخارج، بمتابعة العزف على قيثارته.
سليلة شعب مثقف على الوجه الأكمل.
2
نبغت في الأدب والفنون، وتعلمت على أخص القواعد التي عرفت لعهدها، فكانت نظرة هذه الفتاة الفذة في الحياة، عريضة واسعة على غير مثال.
فإن مثيلاتها من الفتيات، لا يفكرون عادة، بعد أن يفك عقالهن، ويخرجن إلى ميدان الأنوثة، إلا في أمرين: إما في تقديس الفضيلة، وإما في انتهاب الملذات، أما هي فكانت ترمي إلى أن تتحايل، وأن تحكم، ولقد خصت بقدر من حرية الفكر، كانت تنظر من طريقه في الأشياء نظرة، تسلم بها إلى وجوهها الصحيحة.
عرفت ما للرجال من قيمة، فإما أرادت أن تتلهى بهم، وإما أرادت أن تخدم حظوظهم، فإنها استعانت في كلتا الحالتين بروح توقدت ذكاء، والتهبت فطنة، واحترت تشهيا والتياعا.
من ثم أدركت ملهمة بذلك الوحي الذي تختص به العقول الرشيدة، والقلوب الحساسة، أن حظا باسما يرقبها، لما أن علمت أن قيصر قد هبط الإسكندرية، ولكن كيف تتصل بهذا الرجل العظيم؟ وبأية من الوسائل تستغل سلطانه الواسع ، وتفوز بالعضد الذي ينقلها من غيابات الصحراء ووحشة المنفى، إلى كرسي مصر، ويرفعها من طريدة إلى ... ملكة على عرش فرعون؟
كان الحكيم «أفوللوذورس» أستاذها في البلاغة، وأكبر المشفقين عليها، سفيرها الذي بدأ المفاوضات، ولقد أظهر «قيصر» بديئة الأمر، أنه أميل إلى الأخذ بناصر الفتاة المضطهدة، منه إلى نصرة بطلميوس، ووزيره اللبق الماهر.
صفحة غير معروفة