وإذ قد وصفت ما تقدم، ذكره فخليق بنا أن نصف الأقاويل الشعرية وأنها كيف تتنوع فنقول: إن الأقاويل الشعرية: إما أن تتنوع بأوزانها، وإما أن تتنوع بمعانيها. فأما تنوعها من جهة الأوزان فالقول المستقصى فيه إنما هو لصاحب الموسيقى والعروضى، فى أى لغة كانت تلك الأقاويل، وفى أى طائفة كانت الموسيقى. وأما تنوعها من جهة معانيها على جهة الاستقصاء. فهو للعالم بالرموز والمعبر بالأشعار والناظر فى معانيها والمستنبط لها فى أمة أمة وعند طائفة طائفة، مثلما فى أهل زماننا من العلماء بأشعار العرب والفرس الذين صنفوا الكتب فى ذلك المعنى وقسموا الأشعار إلى الأهاجى والمدائح والمفاخرات والألغاز والمضحكات والغزليات والوصفيات وسائر ما دونوه فى الكتب التى لا يعسر وجودها، مما يستغنى عن الإطناب فى ذكرها.
فلنرجع إلى إبتداء آخر ونقول: إن جل الشعراء فى الأمم الماضية والحاضرة الذين بلغنا أخبارهم خلطوا أوزان أشعارهم بأحوالها ولم يرتبوا لكل نوع من أنواع المعانى الشعرية وزنا معلوما — إلا اليونانيون فقط: فانهم جعلوا لكل نوع من أنواع الشعر نوعا من أنواع الوزن، مثل أن أوزان المدائح غير أوزان الأهاجى، وأوزان الأهاجى غير أوزان المضحكات، وكذلك سائرها. فأما غيرهم من الأمم والطوائف فقد يقولون المدائح بأوزان كثيرة مما يقولون بها الأهاجى إما بكلها وإما بأكثرها؛ ولم يضبطوا هذا الباب على ما ضبطه اليونانيون.
صفحة ١٥٢