قصدنا فى هذا القول إثبات أقاويل وذكر معان تفضى بمن عرفها إلى الوقوف على ما أثبته الحكيم فى صناعة الشعر، من غير أن نقصد إلى استيفاء جميع ما يحتاج إليه فى هذه الصناعة وترتيبها، إذ الحكيم لم يكمل القول فى صناعة المغالطة فضلا عن القول فى صناعة الشعر، وذلك أنه لم يجد لمن تقدمه أصولا ولا قوانين حتى كان يأخذها ويرتبها ويبنى عليها ويعطيها حقها على ما يذكره فى آخر أقاويله فى صناعة المغالطين. ولو رمنا إتمام الصناعة التى لم يرم الحكيم إتمامها — مع فضله وبراعثه — لكان ذلك مما لا يليق بنا. فالأولى بنا أن نومى إلى ما يحضرنا فى هذا الوقت من القوانين والأمثلة والأقاويل التى ينتفع بها فى هذه الصناعة.
فنقول: إن الألفاظ لا تخلو من أن تكون: إما دالة، وإما غير دالة. والألفاظ الدالة: منها ما هى مفردة، ومنها ما هى مركبة. والمركبة: منها ما هى أقاويل، ومنها ما هى غير أقاويل. والأقاويل: منها ما هى جازمة، ومنها ما هى غير جازمة. والجازمة: منها ما هى صادقة، ومنها ما هى كاذبة. والكاذبة: منها ما يوقع فى ذهن السامعين الشىء المعبر عنه بدل القول، ومنها ما يوقع فيه المحاكى للشىء — وهذه هى الأقاويل الشعرية.
صفحة ١٥٠