سوء الطويات، وجرائم الآفات، فيهرب بقلبه من تلك الظلمات، فإن عنده ما يشغله عن غيره، ولا يتسع للأغيار، ولا يقوى على مقاومة الأسرار، وذلك لا يقدح في مقامه، وإن كان غيره أكمل منه، لا تساعه، ومثل هذا لا ينشرح إلا لمحب صادق، يميل المحب بقلبه إليه، فيشهد ذلك من باطنه، فيوفيه حق محبته، بالإقبال عليه والإصغاء إليه، وإن وجد هناك استعدادا نصحه، وإلا وفاه حقه وأمسك.
هؤلاء لم يكلفوا غير ذلك، ومتى تكلفوا ما لا يكلفون، تحملوا ما لا يطيقون (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
القسم الآخرون : الأطباء أهل التمكين والولاية، والبقاء والدراية، أفناهم الله تعالى به، ثم أبقاهم، فكانوا به، فهم الأدلاء لخلقه عليه، والمعالجون لهم في إصلاح أمراضهم هؤلاء كلفوا مخالطة الخلق لقوتهم وتمكينهم، وهم القائمون بجزئيات المتابعة، جملها وتفصيلها، لتصرفهم في أحوالهم، يقومون بأعباء الخليقة، دقها وجلها، يسوسونهم، ويصدونهم عن الباطل.
بسوط الشريعة وحكمها، فهم خلفاء الرسل وأمناؤهم، فلهؤلاء كلفوا ما لم يكلف الأولون، ومن حمل أولئك ما حمله هؤلاء فقد ظلمهم وجهل استعدادهم، (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)، وبالله المستعان.
صفحة ٤٨