أفتخبرين بحادث الإنشار؟
من للمملك تبع أو قيصر
لو كان مثل مليكك العشار؟
والدهر مفتن الغوائل مهلك
رب الحسام وحامل المئشار!
إلى آخر هذه القصيدة المشبعة بالتأمل الفلسفي، إذا تمعنا فيها شعرنا برجاحة فوق رجاحتنا الإنسانية وتنبهنا إلى غرور الحياة.
كذلك حال شعورنا حينما نقرأ في «الفردوس المفقود» لملتون أو نتذوق أنشودة شيللي «إلى الجمال الذكي» أو «الوقت والحب» لشكسبير أو «أنشودة الراعي إلى حبيبته» لكريستوفر مارلو وأمثالها من روائع الشعر العالمي على اختلاف موضوعاته، فإنه شعور لا يقاس بالمتعة الأدبية بل كذلك وقبل ذلك بمبلغ تسامينا أو تعمقنا في الشعور.
ولا مشاحة في أن للشعر ضروبا شتى وأشهرها الشعر الغنائي بفروعه المختلفة، ولكنه في الواقع موسيقى كلامية قبل أن يكون تصوفا وتعبيرا وجدانيا منظوما، والموسيقى عنصر ضروري في معظم الشعر ولكن لا شأن لها بماهية الشعر، بل قد تفسد ماهيته التي هي أعظم بكثير من الإطراب والتسلية بأنغام رتيبة، وصفوة القول أن ماهية الشعر التعبير عن الحياة وتفسير الوجود تفسيرا تصوفيا في لغة موسيقية أو شبيهة بالموسيقية.
أما عن الأدب عامة فماهيته التعبير عن شخصياتنا وعن الحياة والمجتمع كذلك تعبير الأصالة لا التقليد، وبذلك يشترك الأديب مع بقية الفنانين في تفسير الوجود وتقديس الحق والجمال، وعن الأديب يتفرع الشاعر وإن استقل الشاعر فيما بعد بفنه الخاص في مظهره وروحه المجنحة، فليس كل أديب شاعرا ولكن كل شاعر أديب.
يقول الأدب الفرنسي: «إن الفن هو الحياة كما يراها مزاج الفنان»، وهو مرآته التي تنعكس عليها الكائنات، فالمزاج أو الشخصية هو أساس التعبير الأدبي، وهذا ما يوجد التباين الذي يزيد من ثروة الأدب، إذ يصبح الأدب مرائي شتى للحياة ممثلا شخصيات عديدة ووجهات نظر متنوعة خلافا للعلم الذي له قواعد معينة محدودة، وهكذا تعيش المؤلفات الأدبية والآراء الأدبية تبعا لما خلفها من شخصيات قوية، سواء أكانت هذه الآثار قصة أم شعرا أم رواية تمثيلية أم دراسة أدبية أم غير ذلك.
صفحة غير معروفة