قال القاضي أبو محمد البصري لأمير المؤمنين أبي العباس المعتضد: «لم يخف عني يا مولاي - منذ تلك الغداة - وجه الرأي فيما اخترت لنفسك يوم وافاك رسول خمارويه بهديته وكتابه، ولكني حذرت أمرا ... فإن ولدك أبا محمد شاب لم يزل في حداثة السن والرأي، وقد يعزب عن فطنته
20
ما قصدت إليه، فيراك قد آثرت نفسك عليه بالعروس، فتأخذه الغيرة ويزين له إخوان السوء! ...»
قال المعتضد: «رحم الله ابن أبي الدنيا، لقد كفاني مئونة ذلك الأمر، وأحسب ولدي أبا محمد قد استمع إليه يومئذ، وفهم عنه ما طابت به نفسه، وقد كبر اليوم ولدي أبو محمد، وصار عليه للدولة حق، وقد أجمعت الرأي على أن أوليه بعض الأطراف يشتغل بها عن إخوان السوء ويتمرس منذ اليوم بأساليب الحكم، فإنه لمرجو الغد إن شاء الله.»
قال الشيخ: «إن شاء الله ... ولا زلت موفقا يا مولاي فيما تقصد إليه.»
وخرج الخليفة من غده إلى الجبل في رجب سنة 281 يصحبه ولده أبو محمد علي بن المعتضد، فلما انتهى إلى حيث أراد حط رحاله وقال لولده: «الآن يا بني قد بلغت المبلغ الذي يؤهلك لبعض أعمال السلطان لتكون لي عونا وعضدا ولتأخذ في التجارب من يومك لغدك، فإن هذا الأمر سيصير إليك يوما، وتتعلق بك مصالح أمة، وقد قلدتك يا بني هذه الولاية: الري، وقزوين، وزنجان، وأبهر، وقم، وهمذان، والدينور،
21
وسأرى كيف تحكم فيها أمرك.»
قال أبو محمد: «لا يكون إلا ما تحمده إن شاء الله.»
ثم ودعه الخليفة، وقد قلد له الكتبة والحسبة، وأوصى به أهل المشورة، وانحدر إلى بغداد، وقد طابت نفسه بما بلغ.
صفحة غير معروفة