قال المعتضد: «خل عنه يا بدر، فقد زعمت له نجومه أن الطولونية ستكون أدنى إلى بغداد مما بلغت، وسيكون على يدي أقصى ما تبلغ من الدنو حتى يقع ظلها على عرش الخلافة ...»
ثم أردف ضاحكا: «وأحسب أن النجوم قد صدقته في هذه المرة.»
وجمجم القاضي أبو خازم، وحاول أن يقول شيئا، ولكن الخليفة لم يدعه واستمر في حديثه: «وقد سمعتم بما جاءني مع ابن الجصاص من هدية خمارويه وكتابه، أما الهدية فقد علمتم خبرها، وأما الكتاب ...»
قال المنجم ضاحكا: «وأما الكتاب، فإنه يسأل أمير المؤمنين أن يوليه بغداد وسامرا وشاطئي دجلة!»
قال الخليفة عابسا: «بس! كفى مزحا يا يحيى ... أما الكتاب فيسألني القربى، ويخطب ابنته قطر الندى إلى ولدي وولي عهدي علي؛ لتكون آصرة تربط بين الدولتين.»
وصمت الجميع وثبتوا في مجالسهم كأن على رءوسهم الطير، وهتف المنجم: «وقد طابت نفس مولاي أمير المؤمنين إلى هذا الرأي ... ولم تكذبني النجوم ما أنبأتني.»
قال المعتضد، وقد تجهم وجهه: «صه، أو يقذف بك الغلمان إلى حيث لا يعلم أحد أين مقرك من الأرض، أو من السماء!»
واصفر وجه المنجم واحتبست أنفاسه وغاص في مجلسه كأنما أهوت على رأسه مطرقة ثقيلة، وضحك ابن حمدون النديم تشفيا.
وعاد أمير المؤمنين يقول: «وقلبت الأمر على جوانبه، وبدا لي فيه رأي ...»
قال أبو بكر القرشي: «فما أحسب إلا أن مولاي قد أجمع رأيه على الإباء، حتى لايمكن للطولونية في قصره مثل مكانتها في قصر عمه المعتمد على الله.»
صفحة غير معروفة