7
كان الخليفة المعتمد في مجلس الشراب من قصره بسامرا، قد تكنفه ندمانه على النمارق،
64
وصفت بين يديه أقداح البلور على صينية من جزع،
65
وأرخيت على النوافذ ستائر الديباج، تتلعب بها النسمات، فتتموج في سكون، وتنعكس عليها الأضواء فتشع بمثل ألوان الطيف، يتضرب لون منها في لون، ولكن الخليفة وندمانه كانوا مطرقين في صمت، لا تمتد يد إلى قدح، ولا تنبس شفة بصوت، ولا حس ولا حركة، فلولا ما ينفح في مجامر المسك من عطر البخور ودفء النار لحسبه من يرى مجلسا مرسوما على أديم قد أبدع تصويره رسام بارع فأتقنه تمثيلا وصورة، لم يفته من مظاهر الحياة إلا الصوت والحركة.
وكان الخليفة حقيقا بما هو فيه من العبوس والكآبة، فقد بلغ أخوه الموفق من التضييق عليه مبلغا بعيدا، استئثارا بالسلطة واستقلالا بالأمر، فاحتجزه في هذا القصر من سامرا، وأخذ عليه المذاهب، ووكل به العيون وأصحاب الأخبار، وكف يده عن التصرف في شيء من مال الدولة، حتى لكأن الخليفة هو طلحة الموفق نفسه، فليس للمعتمد من أمر الخلافة إلا لقب أمير المؤمنين، وقد بلغ الأمر غايته اليوم، فها هو ذا خازن القصر يأبى على الخليفة أن يحبو نديما
66
من ندمانه ثلاثمائة دينار، فيرد توقيعه بلا جواب.
ومضت فترة صمت، ثم رفع المعتمد رأسه وفي عينيه انكسار، وأنشد:
صفحة غير معروفة