ثم انصرف عن مجلس سيده، وهو لا يكاد يصدق بالنجاة، وذهب إلى إصطبل الدواب، فإذا شاب أزرق أشقر في ثياب خلق وزي رث،
63
فوقف إليه وسأله عن اسمه وعمله، فأجابه ... قال لؤلؤ دهشا: «ويحك! أنت محمد بن سليمان؟ فمن أين يعرفك الأمير؟»
قال الفتى: «يا مولاي، والله ما رآني قط ولا وقعت عينه علي إلا في الطريق، ولا محلي محل من يتصدى للقائه.»
قال لؤلؤ: «لقد أمرني مولاي أن أحتز رأسك لرؤيا رآها ...»
قال الفتى فزعا: «وأي ذنب لي يا سيدي في الأحلام؟»
فهدأت نفس لؤلؤ، وقال: «صدقت، فتوق - ويحك - ولا تتعرف إلى أحد من حاشيته.»
وكان محمد بن سليمان في رثاثته وخلقانه عينا من عيون الموفق على الطولونية، وكان له دهاء وتدبير، فلم يزل يحتال لأمره من كل وجه حتى صار أدنى إلى لؤلؤ من سائر غلمانه، فصارت عينه على أسرار الدولة، ويده على أموالها؛ لمكانته من مولاه، ومكانة مولاه من أحمد بن طولون.
ومضى زمان، وإذا لؤلؤ خادم الطولونية الأول يتنكر لها ويخرج على سيده، ويحتال حيلته حتى يجتمع إليه من مال الخراج مال، فيخرج إلى الشام ثم يتخذ طريقه إلى بغداد منحازا إلى الموفق بما اجتمع له من مال الدولة، لا يصحبه من غلمانه إلا خادمه محمد بن سليمان الأزرق.
وعرف ابن طولون كيف يدبر له الموفق وأعوانه في مصر، فأجمع أمره على خطة تحطم كبريائه، وتفل غربه.
صفحة غير معروفة