قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

عبد المحسن العباد ت. غير معلوم
68

قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

الناشر

دار الفضيلة،الرياض

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٣هـ/٢٠٠٢.

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

وقد مرَّ قريبًا أنَّ اسمَ العليِّ يأتي مقترنًا باسم الكبير، ومرَّ ذكر بعضُ الآيات في ذلك، ومنها أيضًا قول الله ﷿: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ ٦ قوله: "وَأنَّه فوقَ عَرشه المجيد بذاته، وهو في كلِّ مَكان بعِلمه". لَمَّا ذكر ابن أبي زيد – ﵀ – أنَّ من أسماء الله العليّ، وقد ذكره قريبًا مقترنًا باسم العظيم، وباسم الكبير، بيَّن في هذا أنَّ علوَّ الله ﷿ وفوقيَّتَه على عرشه أنَّه علوٌّ بالذَّات، كما أنَّه عليٌّ بالقدر وعليٌّ بالقهر، وإنَّما نصَّ على علوِّه على عرشه بذاته لمَّا وُجد من يقول: إنَّ علوَّ الله علوُّ قدرٍ وعلوُّ قهرٍ، وأوَّلَ علوَّه على عرشه باستيلائه عليه، وأنَّه ليس على العرش حقيقةً بذاته، فعبَّر بعلوِّ الذَّات ردًّا على من قال: إنَّه علوٌّ مجازيٌّ وليس بحقيقيّ، وهذا نظيرُ قولِ السَّلف عن القرآن إنَّه غيرُ مخلوقٍ لمَّا وُجد من يقول: إنَّه مخلوقٌ. وأمَّا قوله: "وهو في كلِّ مكانٍ بعلمه" فهو لنفي القولِ بالحلول والاتِّحاد، وهو أنَّ اللهَ حالٌّ في المخلوقات، متَّحدٌ معها، مختلِطٌ بها؛ فإنَّ اللهَ ﷿ الخالقُ، وكلُّ ما سواه مخلوقٌ، والمخلوقاتُ كلُّها كانت عدمًا فأوجدها اللهُ، ووُجودُها مبايِنٌ لوجودِ الله، وهو ﷾ بائنٌ من خلقه، ليست المخلوقاتُ حالَّةً في الله، ولا الخالقُ حالًاّ في المخلوقات. ومعيَّةُ الله فُسِّرتْ بأنَّها معيَّةٌ بالعلم، كما قال ابنُ أبي زيد القيرواني هنا، قال اللهُ ﷿: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ

1 / 74