قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
الناشر
دار الفضيلة،الرياض
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٣هـ/٢٠٠٢.
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
وقد مرَّ قريبًا أنَّ اسمَ العليِّ يأتي مقترنًا باسم الكبير، ومرَّ ذكر بعضُ الآيات في ذلك، ومنها أيضًا قول الله ﷿: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾
٦ قوله: "وَأنَّه فوقَ عَرشه المجيد بذاته، وهو في كلِّ مَكان بعِلمه".
لَمَّا ذكر ابن أبي زيد – ﵀ – أنَّ من أسماء الله العليّ، وقد ذكره قريبًا مقترنًا باسم العظيم، وباسم الكبير، بيَّن في هذا أنَّ علوَّ الله ﷿ وفوقيَّتَه على عرشه أنَّه علوٌّ بالذَّات، كما أنَّه عليٌّ بالقدر وعليٌّ بالقهر، وإنَّما نصَّ على علوِّه على عرشه بذاته لمَّا وُجد من يقول: إنَّ علوَّ الله علوُّ قدرٍ وعلوُّ قهرٍ، وأوَّلَ علوَّه على عرشه باستيلائه عليه، وأنَّه ليس على العرش حقيقةً بذاته، فعبَّر بعلوِّ الذَّات ردًّا على من قال: إنَّه علوٌّ مجازيٌّ وليس بحقيقيّ، وهذا نظيرُ قولِ السَّلف عن القرآن إنَّه غيرُ مخلوقٍ لمَّا وُجد من يقول: إنَّه مخلوقٌ.
وأمَّا قوله: "وهو في كلِّ مكانٍ بعلمه" فهو لنفي القولِ بالحلول والاتِّحاد، وهو أنَّ اللهَ حالٌّ في المخلوقات، متَّحدٌ معها، مختلِطٌ بها؛ فإنَّ اللهَ ﷿ الخالقُ، وكلُّ ما سواه مخلوقٌ، والمخلوقاتُ كلُّها كانت عدمًا فأوجدها اللهُ، ووُجودُها مبايِنٌ لوجودِ الله، وهو ﷾ بائنٌ من خلقه، ليست المخلوقاتُ حالَّةً في الله، ولا الخالقُ حالًاّ في المخلوقات.
ومعيَّةُ الله فُسِّرتْ بأنَّها معيَّةٌ بالعلم، كما قال ابنُ أبي زيد القيرواني هنا، قال اللهُ ﷿: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
1 / 74