الأسرة:
ويسمونها «العيلة» وهي عادة وحدة الأمة، وكانت كل جملة من الأسر تضمها حارة، والحارات يضمها شارع، والشوارع تضمها المدينة أو القرية.
وقد كان للأسرة نظام معروف، فكان يضم الرجل الكبير والزوجة والأبناء والبنات وقد تضم أيضا الأقارب، كالابن وزوجته وولده والأخت المطلقة والحماة وغير ذلك، وقد يضم البيت زوجتين «ضرتين»، ومن أجل كبر الأسرة كانت تكثر فيها المشاحنات والخصومات وقد ينقضي الليل في الحكم بين المتخاصمين والمتخاصمات، وقد ينتهي بالضرب أو الطلاق.
والأسرة إلى عهد قريب كانت محكومة بالسلطة الأبوية فكل السلطة في يد الأب، والزوجة لا تجرؤ أن تأكل معه، والأولاد يحترمونه فلا يصح أن يدخلوا أمامه، ولا أن يتكلموا بصوت يعلو على صوته، ولا يصح أن يتزوجوا إلا برضاه، والأم لا يصح أن تخرج إلا بإذنه، وبيده ميزانية البيت، وهو الذي يتحكم فيما يؤكل وما لا يؤكل.
والأسرة أيضا وحدة اقتصادية كما أنها وحدة اجتماعية، فلكل حارة سوقها القريب منها، تشتري منه الضروريات ولا تحتاج إلى غيره إلا في الكماليات، وهي أيضا وحدة دينية، فالولد يتعلم منها شعائر الدين وقريب من الحارة المسجد، يصلون فيه صلاة الجماعة وصلاة الجمعة، والمسجد أيضا يقوم بوظيفة اجتماعية بجانب الوظيفة الدينية فسكان الحارات يتعارفون في المسجد، ويعرضون فيه مشاكلهم الاجتماعية، وفي الأرياف يتحدثون عن حالة الزراعة من قطن وقمح ودودة وما فعل الحر بالزراعة وما فعل البرد وغير ذلك.
والمرأة في أسرة الفلاحين أحسن منها في المدن فهي تعين زوجها في زراعته فتحلب جاموسته وتصنع سماده وتأتيه بغذائه في الغيط وتعينه في الدرس والجمع، وتفهم في الزراعة مثل ما يفهم على عكس المدنية، فالفرق بين معلوماتها ومعلومات زوجها كبير؛ ولذلك يتفاهم الزوجان الفلاحان في كل شئونهما، وقل أن يكون ذلك في المدن فقد كانت الزوجة إلى عهد قريب خادمة نظيفة والزوج في وظيفته أو قراءته أو حساباته المالية منعزلا عن زوجته لا يستطيع إشراكها معه.
وقد شاهدنا في عصرنا تحول الأسرة من سيطرة الأب إلى سيطرة الأم ومن استبداد الرجل إلى استبداد المرأة، وشاهدنا في عصرنا أيضا أن حجاب المرأة يتحول إلى سفورها، وجهلها إلى تعلمها، وتفريطها في حقوقها إلى الغلو في طلبها، حتى لتريد أن تشارك في السياسة فتنتخب وتنتخب، وشاهدنا مزاحمتها للرجل في العمل والتوظف، وشاهدنا كثيرا من البيوت يكون فيها الزوج موظفا والزوجة موظفة ويسلمان أولادهما للمربيات.
ولما فشا تعليم المرأة قل الاعتقاد بالخرافات والأوهام، ولما سفرت المرأة عرفت كثيرا من أحوال الرجال، وشاركت في إدارة الأموال وزاد حظها في كل شأن من شئون الحياة، ومع ذلك بقيت الأسرة قديما وحديثا خير مرب للأطفال، ولم يوجد ما يستعاض به عن الأسرة.
وقد كان في القديم تتعارف الأسرة وترتبط برباط متين خصوصا من كان منها في حارة واحدة أو شارع واحد، ولكن لما غزتنا المدنية الحديثة قل اختلاط الأسر فكثيرا ما ترى أسرة في شقة من عمارة لا تعرف شيئا عمن يسكن بجوارها، تقليدا للإفرنج في معيشتهم، ومن أجل هذا أيضا كان من أكبر مظاهر الأسر في الزمن القديم الاشتراك العام في المأتم والأفراح، ومساعدة الأسرة البائسة، وعيادة المريض إذا مرض في الحارة، والمشي في جنازته، وسؤال كل فرد في الحارة عمن يساكنه فزال كل ذلك بحكم اعتزال الأسرة.
والأسرة المصرية كثيرة العطف على أفرادها، وهي تصغي إلى العاطفة أكثر مما تصغي إلى العقل، ومن مظاهر ذلك كثرة الاتصال بموتاها في زيارتهم في كل موسم والطلوع عليهم بالخوص والفاكهة والفطير وقراءة القرآن الكريم والترحم عليهم وغير ذلك، ثم مساعدة الأولاد مهما كبروا واستطاعوا أن يقفوا على أرجلهم، ثم الخوف الشديد من سفرهم والبعد عنهم ولو إلى مسافة قصيرة.
صفحة غير معروفة