، ⋆
وهي عقيدة معظم المهاجرين الأوائل الذين رغبوا أن يتبعوا تفسيرا مخالفا للمراسم المسيحية يعتمد أساسا على البساطة ونبذ ما اعتبروه دخيلا على الروح المسيحية الحقة. وهكذا ظهر كتاب على نفس شاكلة «جون سميث»، مثل «وليام برادفورد» الذي كتب عن «مزرعة بلايموث»، و«جون ونثروب» حاكم مستعمرة خليج ماساشوستس، و«كوتون ماذر» وهو أشهرهم وأهمهم الذي تعتبر كتبه ذروة السجل الاستيطاني في الأرض الأمريكية الجديدة.
وبعد ذلك، بدأ المستوطنون في التفكير بإيجاد أسلوب أمريكي خاص بهم في التعبير الأدبي والتاريخي، وإن كانوا لا يزالون يدورون في فلك الحقبة البيوريتانية. وكانت القصائد الشعرية موجودة في خدمة الدين والشعائر، حتى ظهور «مايكل وجلزورث» بقصيدته «يوم القيامة» (1662م)، التي - وإن كانت في وصف يوم الدين بالتفسير الكلفيني البروتستانتي - كان بها كثافة درامية جعلت منها قراءة رائعة للكثيرين من الأفراد برغم موضوعها النذيري. وقد ساعدت القصيدة على ظهور الشاعرة «آن براد ستريت» التي يعتبرها مؤرخو الأدب أول شاعرة في اللغة الإنجليزية، التي أصدرت أول مجلد من «الشعر الأمريكي» في عام 1650م بعنوان «ربة الشعر العاشرة التي ظهرت مؤخرا في أمريكا».
واستمرت الكتب الصادرة في أمريكا تدور حول تجربة المستوطنين التطهريين مع البرية والصراع مع «الهنود»؛ أي السكان المحليين، مع إضفاء مسحة دينية على تلك التجارب وذلك الصراع. واتخذت القصص التي تعبر عن ذلك شكل «الأليجورية»؛ أي القصة المجارية، على نمط الأليجورية الإنجليزية المشهورة «رحلة الحاج» لجون بنيان.
ومع ذلك، فمع بدايات القرن الثامن عشر، كانت روح «نيو إنجلاند» ⋆
تلك آخذة في التغير؛ فقد بدأت ملامح مع الأمور الدنيوية
Secularism
تلوح في كتابات البيوريتانيين، مثلما ظهر في «يوميات» «صمويل سيووال» الذي بدأ قسا ثم عمل بالتجارة، ثم أصبح قاضي قضاة ماساشوستس، بيوريتانيا صرفا، وقد كان قاضيا في محاكمات الساحرات الشهيرة في «سالم»، بيد أنه قد أنكر دوره في تلك الحادثة بعد ذلك، معتبرا ذلك من قربات الله التي جعلته يتحمل اللوم والعار بسبب دوره ذاك.
وكانت الروح الجديدة في أمريكا واضحة أكثر خارج حدود نطاق «نيو إنجلاند». ومن كتاب تلك الروح كاتب اليوميات «وليام بيرد الثاني» من فرجينيا، الذي رحل إلى إنجلترا وتعلم اللاتينية واليونانية والعبرية والفرنسية والإيطالية، واختلط بنبهاء إنجلترا في عصر عودة الملكية، وجلب معه عند عودته إلى أمريكا عام 1705م آثار كتابات «كونجريف» و«سويفت» و«بوب». وقد تراوحت كتاباته ما بين وصف الطبيعة إلى الأحداث السياسية. وقد سطر «اليوميات السرية» (1709-1712م) على طريقة الإنجليزي «صمويل بيبس»، على نحو مشفر خاص به، ولم تكتشف وتحل رموزها إلا عام 1941م.
وقد جاء «القرن الثامن عشر» بعصر العقل، وتحولت الفلسفة من اللاهوت الجامد تجاه العلوم الطبيعية، وبدأت قيم الطبيعية الأخلاقية والليبرالية والتقدم تصبح تدريجيا الوسائل المناسبة لتفسير التجربة الأمريكية. وظهر ذلك جليا في عقليتين متميزتين أثمرهما ذلك القرن، هما «جوناثان إدواردز» و«بنيامين فرانكلين». وقد عمل هذان الرجلان على تحقيق التغييرات التي شهدها الفكر الأمريكي والتنوع الذي شهده ذلك الفكر. وقد مثلا المبادئ المتناقضة للحياة الأمريكية في القرن الثامن عشر؛ فواحد منهما مثالي، والآخر مادي ، الأول واعظ بيوريتاني يعمل في نيو إنجلاند وفي الولايات الحدودية، والآخر ناشط سياسي يعمل للتأثير في مسار العالم الغربي. وقد اجتمع هذان النقيضان كيما يشكلا الاستمرارية الأساسية للثقافة الأمريكية التي قدماها إلى الأجيال المقبلة.
صفحة غير معروفة