وما استوقف مع ذلك أحد المارين، ولا استرعى نظر أحد السامعين.
إنما هناك صنف آخر من المستجدين، ولهم في المهنة لغة غير اللغة التي أسمعتك أمثلة منها. ومع أن التقوى تتمشى بين أضلعهم، والورع يتساقط شعرا من أفواههم، فالناس قلما يقفون، وقلما يسمعون.
هاكم درويشا يرفع صوتا كصوت ربابة في خابية، ويشدو الشعر شدوا محزنا، وفيه الغزل والحنين، وفيه أن كل شيء يزول، ولا يبقى غير وجه ربك القيوم.
خيالك في قلبي وذكرك في فمي
وصوتك في أذني وحبك في دمي
هو صوت سمعته ذات يوم في محلة الشيخ، فاستوقفني وأنا أكتب في غرفتي، فوقفت في الشرفة، فإذا بدرويش في قارعة الطريق يحمل عصا طويلة، وصحنا من التنك. ورأيت العربات تسير إلى يمينه وإلى يساره، دون أن تدنو منه، كأنه شرطي. وكان إذا سمع صوت بوق السيارة يرفع عصاه - هو درويش ضرير - فتميل السيارة عنه، ويستمر هو في طريقه وشدوه!
أين فؤادي؟ أذابه الوجد
وأين قلبي؟ فما صحا بعد
يا سعد زدني جوى بذكرهم
بالله قل لي فديت يا سعد
صفحة غير معروفة