روى البخاري في كتاب ((الأدب المفرد)) في بر الوالدين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: نزلت في أربع آيات من كتاب الله عز وجل: كانت أمي حلفت ألا تأكل ولا تشرب حتى أفارق محمدا صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) والثانية أني كنت أخذت سيفا (أي من المغانم) فأعجبني، فقلت: يا رسول الله، هب لي هذا، فنزلت: (يسألونك عن الأنفال) والثالثة أني كنت مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني أريد أن أقسم مالي، أفأوصي بالنصف؟ فقال: لا، فقلت: الثلث؟ فسكت؛ فكان الثلث بعد جائزا. والرابعة أني شربت الخمر (قبل أن ينزل التحريم البات) مع قوم من الأنصار، فضرب رجل منهم أنفي بلحي جمل (العظم الذي تنبت فيه اللحية) فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تحريم الخمر.
201 - من روائع تشبيهات ابن الرومي
* الحصري القيرواني في ((جمع الجواهر)):
ومن تشابيهه (ابن الرومي) العقم (في وصف الخباز والرغيف بين يديه):
ما أنس لا أنس خبازا مررت به يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر
ما بين رؤيتها في كفه كرة وبين رؤيتها قوراء كالقمر
إلا بمقدار ما تنداح دائرة في صفحة الماء يرمى فيه بالحجر
202 - ثراء وبله وغفلة
* وفيه أيضا:
كان بمصر شريف من ولد أبي العباس يعرف بأبي جعفر الشق، شبيه بابن الجصاص في الغفلة والجد (الثراء) والنعمة. قال أبو القاسم ابن محمد التنوخي: بعثني إليه أبي من قرية تعرف ب ((تلا)) يستقرضه عشرة أرادب قمحا؛ وثلاثين زوج بقر، وكتب معي بذلك رقعة، فأتيت إليه وسلمت عليه ودفعت إليه الرقعة فقال: ذكرت أباك بخير وحرسه (الله) وأسعده، فهو صاحبي وصديقي وخليطي، وأين هو الآن؟ قلت بقرية ((تلا)) أعز الله سيدي الشريف. قال: نعم حفظه الله هو بالفسطاط معنا!. زقد انقطع عنا كذا، ما كنت أظنه إلا غائبا؛ قلت: لا يا سيدي هو ب ((تلا)) قال: فما لك؟ ما قلت لي؟ فما كان سبيله أن يؤنسني برقعة من قبله؟ قلت: يا سيدي قد دفعت إليك رقعة. قال: وأين هي؟ قلت: تحت البساط، فأخذها وقرأها وقال: قل لي الآن: كان لك اخ أعرفه حار الرأس حاد الذهن، يحسن النحو والعروض والشعر، فما فعل الله به؟ أنا هو أعزك الله! قال: كبرت كذا، وعهدي بك تأتيني معه وانت بزقة مخطة لعقة قردلاش؟!. . قلت: نعم أيد الله الشريف، قال: وما الذي جئت فيه؟ قلت له: والدي بعثني إليك برقعة يسألك فيها قرض عشرة أرادب قمحا، وثلاثين زوج بقر؛ قال: وهو الآن بالفسطاط؟ قلت: لا يا سيدي هو ب ((تلا)) قال: نعم، وإنما ذاك الفتى أخوك؟ قلت: لا، أنا هو، فهو يراجعني بالكلام، وقد ضجرت من شدة غفلته وكثرة نسيانه لما أقوله، حتى أقبل كاتبه أبو الحسين، فقال: سل هذا الفتى ما أراد، فسألني فعرفته فأخبره، فقال له: نفذ له حاجته، فوقع لي الكاتب بما أراد، وقال: تلقاني للقبض بالديوان، فشكرت الشريف ونهضت.
فقال: اصبر يا بني فقد حضر طعامنا، وقدم الطعام وفيه حصرمية غير محكمة، فرفع يده وقال: مثل مطبخي يكون فيه مثل هذه؟ علي بالطباخ، فأتى، فقال له: ما هذا العمل؟ فقال: يا سيدي إنما أنا صانع، وعلى قدر ما أعطى أعمل، وقد سألت المشتري ينفق ما أحتاج إليه، فتأخر عني فعملت على غير تمكن، فجاء التقصير كما ترى.
فقال: علي بالمنفق، فحضر؛ فقال: مالي قليل؟ قال: لا يا سيدي بل عندك نعم واسعة، قال: فما لك تضايقنا في النفقة ولا توسع كما وسع الله علينا؟ قال: يا سيدي إنما أنفق ما أعطى، وقد سألت الجهبذ (الذي ينفذ أوامر الرئيس) أن يدفع لي، فتأخر عني.
فقال: علي بالجهبذ، فأتي به، فقال: ما لك لم تدفع للمنفق شيئا؟ قال: لم يوقع لي الكاتب، فقال للكاتب: لم لم تدفع إليه شيئا؟ فتلعثم في الكلام ولم يكن عنده جواب، فقال للكاتب: قف هاهنا، فوقف ووقف خلفه الجهبذ، ووقف خلف الجهبذ المنفق، وخلف المنفق الطباخ، وقال: نفيت من العباس إن لم يصفع كل واحد منكم من يليه فأكثر ما يقدر عليه، فتصافعوا، قال: فخرجت وأنا متعجب من غباوته ودقته في هذا الحكم.
203 - عزمات
* في كتب التراجم:
كان أبو مسلم الخولاني يقوم الليل، فإذا أدركه الإعياء ضرب رجليه قائلا: أنتما أحق بالضرب من دابتي، أيظن أصحاب محمد صلوات الله وسلامه عليه أن يفوزوا به دوننا، والله لأزاحمنهم عليه حتى يعلموا أنهم خلفوا من بعدهم رجالا!. . .
صفحة ٥٥