فبدا الاهتمام على وجهه؛ لأنه كان يرغب أن يحب عقلها كما يحب شخصها، وسألها: ورأيك؟
فقالت بصراحة: فهمت أقله، ولم أفز من هذا القليل بطائل.
فشعر بخيبة وسألها: ولمه؟
فابتسمت إليه لتخفف من وقع كلامها واستدركت: محور الكتاب - الذي تسميه قصة - أفكار وآراء، وأنا أرتاد في الكتب الحياة والعاطفة! - ولكن الحياة فكر وعاطفة!
فلمت أطراف شجاعتها وقالت: لا تطوقني بمنطقك؛ فربما لا أستطيع دفعه، ولكنه لن يغير من ذوقي، الموسيقى مقياس الفن الحقيقي في نظري، فما تجاوز مادة الموسيقى في الكتاب لا ينبغي أن يعد من الفن في شيء.
فهاله رأيها، وابتسم ابتسامة باهتة، وقال بأسف: إنك تحرمين على نفسك أشهى ثمار الفن الحقيقي ...
فقالت ضاحكة: مجدولين، آلام فرتر، آلام رفائيل؛ تلك آيات الفن الذي أحبه.
قالت ذلك بلهجة من يقول: «لكم دينكم ولي دين.» فأمسك الشاب عن الكلام، وتساءل: هل ييئس حقا من تغيير رأيها؟ إنه يريد صادقا أن يتحابا بقلبيهما وعقليهما، وأن تكون شركة حياتهما تامة منسقة، وأن يجد فيها الحبيبة والزميلة والند المحترم. إنه يحبها حبا يملك عليه قلبه ونفسه، ولكنه يرجو أن يجعل منها في المستقبل زوجا غير الزوج التي تعرفها البيوت الشرقية. وانتهى بهما المسير إلى شارع الجيزة، فانعطفا إلى يسارها، وتنهد الشاب بارتياح؛ فالشارع كالمقفر، وجوه كالمظلم، ورفع راحتها إلى فمه، ولثمها بشغف، ثم مال نحوها فأخذ قبلة مطمئنة لذيذة الطعم، من شفتين ممتلئتين طريتين، ولمحها تسبل جفنيها لوقع القبلة، فانتفض جسمه القوي، وشاعت في روحه شرارة سرور مكهربة، وقال وهو يزدرد ريقه: ما ألطفك ... ما أجملك!
ومضت فترة سكون لذيذة ساحرة، ثم تنهد وقال في شبه حسرة: بيني وبين الامتحان النهائي أشهر معدودات، أما أنت؟
فقالت: امتحان البكالوريا في يونيو. ماذا تختار لي؟
صفحة غير معروفة